العدد 2601
السبت 28 نوفمبر 2015
banner
الأثرياء والفقراء تضاد لا ينتهي أحمد مبارك سالم
أحمد مبارك سالم
وقفات
السبت 28 نوفمبر 2015

يمثل الثراء والفقر سمتين متضادتين لا يحسن وجودهما بصورة واضحة في المجتمع نظراً لكون ذلك أمرا من شأنه أن يعرقل تطبيق نطاقات العدالة في المجتمع بصورة أكثر إنصافاً، وكما قيل إنه إذا وجد فقير في مجتمع ما يتضور جوعاً فاعلم أن هناك غنيا قد أكل حقه؛ ذلك أن المولى تعالى قد شرع فريضة الزكاة لتحقيق التوازن بين طبقات المجتمع بصورة يسود في أوساطها الإنصاف والعدالة، كما نهى تعالى عن كنز المال وتوعد الذين يكنزونه بالعذاب الأليم ليكون لهم أداة تعذيب يوم القيامة بعد أن كان مظهراً للتبطر على الفقراء في الدنيا.
ومن أجل ذلك فإن تعطيل فريضة الزكاة في المجتمع يمثل خطراً محدقاً من شأنه أن يزيد الأثرياء غنى بصورة فاحشة، ولا شك أن ذلك تعطيل لركن من أركان الإسلام من شأنه أن يزيد من صورة التضاد بين الأثرياء والفقراء بصورة أكثر وضوحاً، وهو ما ينذر بزيادة الحقد وتوسيع نطاق الطبقية واختفاء الطبقة المتوسطة التي يمثل وجودها كفئة غالبة في المجتمع رمانة الميزان لتحقيق التوازن المجتمعي فيه، وذلك بدلاً من أن يكون الاتساع ضمن نطاق طبقة الفقراء لتصبح الطبقة المتوسطة مقاربة في كيانها لطبقة الأثرياء، وهو ما قد ينذر بإضعاف للاستقرار الأمني والمجتمعي، الأمر الذي يستلزم مزيداً من التفعيل لفريضة الزكاة.
وفي ظل سيادة النظام الرأسمالي في أوساط كثير من المجتمعات فإن علاقة التضاد بين طبقة الأثرياء وطبقة الفقراء مرشحة لمزيد من التصعيد لدرجة قد تولد مزيداً من العداوة والبغضاء بين الطبقتين؛ لذلك اقترن دور الأثرياء في المجتمع ببناء ما يعرف في ظل المجتمع المدني بالمسؤولية الاجتماعية التي باتت تمثل حجر الزاوية في صناعة دور الأثرياء في تنمية المجتمع ورفع الفاقة عنه، وهو ما يستلزم تأطير نطاق هذه المسؤولية عبر مختلف نطاقات الحلول التي شرعها الإسلام؛ لتمثل قارب نجاة لتحقيق التوازن بين مختلف الطبقات في المجتمع، حيث تمثلت هذه النطاقات بالزكاة والوقف والصدقات؛ تحقيقاً للاستدامة والعدالة والطمأنينة في المجتمع، واحتواء لما قد تشكله نطاقات الحسد والحقد ومختلف الأمراض النفسية التي يولدها البون الشاسع بين طبقة الأثرياء وطبقة الفقراء.
ومن أجل احتواء مشكلة الفقر واتساع النطاق بين طبقة الأغنياء على حساب انحسار الطبقة المتوسطة وارتفاع نسبة الفقر في المجتمع، فإنه يتحتم تفعيل تعاليم الدين الإسلامي التي اقتضت تحقيق صورة المجتمع الإسلامي ضمن نطاق النموذجية، حيث يقتضي ذلك التواد والمحبة والإحسان والإحساس بحاجة الغير، فمجتمع لا يتراحم فإنه لا يمكن أن يكون مجتمعاً متنامياً ومتماسكاً وقادراً على بناء حضارة الخدمة التي اقتضاها المولى تعالى لأمة الإسلام، حيث أمرها بأن تسعى إلى تقوية الذات بخلق تماسك المجتمع من خلال الالتزام بتعاليم الإسلام التي تمثل فريضة الزكاة أبرزها؛ ذلك أن سبب الضياع الحضاري للمجتمع الإسلامي في ظل الواقع المعاصر يتمثل في تضييع التطبيق الصحيح لتعاليم الدين بموضوعية ووسطية تقتضيها أصوله الكلية الجامعة.

زبدة القول
إن حالة التضاد التي تسود بين الأثرياء والفقراء في ظل اتساع طبقة الأثرياء على حساب اتساع طبقة الفقراء وانحسار الطبقة المتوسطة تمثل إشكالية كبيرة ينبغي احتواؤها بتحقيق حالة من التوازن المجتمعي الذي من شأنه أن يسود ليحقق الاستقرار المجتمعي المطلوب وفق ما يرتبط بمقتضيات تعاليم الدين الحنيف؛ ومن أجل ذلك فلابد أن يسود الإحسان في بناء منظومة العلاقات المشتركة بين الأثرياء والفقراء في المجتمع، حيث لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال استهداف فهم الأثرياء لدورهم في تقليص فئة الفقراء في المجتمع من خلال احتوائهم ورعايتهم وتمكينهم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية