العدد 2510
السبت 29 أغسطس 2015
banner
الأزمة السورية إلى أين؟ أحمد مبارك سالم
أحمد مبارك سالم
وقفات
السبت 29 أغسطس 2015

منذ اندلاع الأزمة في سوريا ونحن نعد الأيام قبل الشهور نرقب ما علنا أن نرجو به نهاية لهذه الأزمة، إلا أن ما يلوح في الأفق يقرر أننا مازلنا في بداية النهاية التي يبدو أن انقضاءها قد يمتد لسنوات قادمة؛ ذلك أن الصراع في سوريا ليس صراعاً داخلياً، بل هو صراع دولي للقوى الإقليمية ذات النفوذ في المنطقة، فأما النظام القائم على الحكم هناك فهو مدعوم بقوة من النظام الإيراني والنظام الروسي، والهدف من ذلك يتمثل بارتباط مصالح هذين النظامين باستمرار وجود الرئيس السوري بشار الأشد في سدة الحكم، وذلك مقابل جزء من المعارضة التي تعتبرها الولايات المتحدة الأميركية معتدلة تدعمها دول على رأسها جمهورية تركيا.
وفقاً لآخر تصريح أدلى به بشار الأسد فقد أتت تأكيداته أن النظامين الداعمين له لن يتخليا عنه، وهو يتكلم في ذلك من منطلق ثقة تؤكد أنه مازال متماسكاً كنظام ولن ينهار، وفي المقابل ما بين هذا وذاك يقبع اللاجئون في تشردهم ومجاعتهم إلى أجل غير مسمى، فهم يقعون ما بين السندان والمطرقة، ولا تتجلى لهم في الأفق أية بوادر لحلحلة أوضاعهم المأساوية التي جعلت البعض منهم يخوض عرض البحر عله يجد في الدول المجاورة مأوى يحقق له استقراراً هو ومن تبقى من عائلته.
إن المعطيات الراهنة تعكس أن صراع القوى العظمى على الأراضي السورية انتهى إلى واقع مسدود لا يبدو في الأفق بأن له نهاية، فالدول التي تناصر النظام الأسدي هناك لن تتخلى عن الأسد لأن وجوده مرتبط باستمرار مصالحها الاستراتيجية هناك، وفي المقابل فإن الولايات المتحدة والدول الأوروبية تترقب سقوط النظام لإعادة بلورة المصالح في المنطقة من جديد على نحو يخدم وجودها ونفوذها فيه، وهناك في الشمال السوري والعراقي الدولة الإسلامية في العراق والشام التي يتزعمها أبوبكر البغدادي مازالت تنوي التوسع بعد أن سيطرت على مساحات شاسعة من سوريا والعراق؛ وعليه فإن المشهد في سوريا مشهد متشابك بصورة معقدة وينذر بمزيد من الانفجار والتأزيم للوضع في المنطقة.
وفي خضم ذلك فإن القوة وفل الحديد بالحديد لا يمثل البتة حلاً راجحاً لاحتواء الأزمة لأنه لن يزيد أوضاع السوريين إلا مأساة على مأساة، أما القنوات الدبلوماسية فهي الأخرى تم تجريبها من قبل إلا أن تأثيرها يكاد يكون في حكم العدم، حيث بلغ الشقاق والعداء كل مبلغ فرغب كل طرف في المعادلة في إزاحة الآخر، وحتى لو أزاح أي طرف الآخر أو تعزز النفوذ لمن يرغبه هناك، فإننا لا يمكن أن نتخيل المشهد بعد ذلك إلا صراعاً تتسع دائرته ليكون أكثر اتساعاً ودموية مما هو عليه الآن.
وفي خضم هذا التعقيد الذي يصعّب من احتواء وإنهاء الأزمة السورية، بات من الضرورة بمكان أن تعمل الدول العظمى على رفع معاناة الشعب السوري من أجل تحقيق التوازن بينها في المصالح في تلك المنطقة، وعدم ترك الحبل على القارب حتى لا تستمر وتتصاعد هذه الأزمة بصورة أكبر مما هي عليه الآن، وهذا ما يستلزم وضع الاعتبار الإنساني فوق كل اعتبار حتى لا يستمر حمام الدم ليحصد مزيداً من أرواح السوريين ويشردهم إلى البلدان المجاورة، ونسأله تعالى أن يفرج عن أهل الشام وأن يرفع مصابهم.

زبدة القول
تمثل إعادة البلورة لميزان تحقيق المصالح بين القوى العظمى المتناحرة ما بين إبقاء النظام وإزالة النظام الحل الناجع لإنهاء الأزمة السورية التي يبدو أن تصلف القوى العظمى في تعاطيها مع مصالحها هناك لن يزيد الوضع إلا تأزيماً على تأزيم، ونتطلع في المستقبل القريب أن يجري تفاوض بين الدول المتصارعة على التراب السوري بمعية المعارضة للوصول إلى حل ناجع وجذري للأزمة بدلاً من الإصرار على سياسة “أكون أو لا أكون”، وحفظ المولى تعالى بلاد الشام من كل مكروه... اللهم آمين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .