العدد 2456
الإثنين 06 يوليو 2015
banner
بين ثقافة الفرح ولغة التفاؤل أحمد مبارك سالم
أحمد مبارك سالم
وقفات
الإثنين 06 يوليو 2015


يمثل ما ينغرس في وجدان الإنسان صناعة ينبغي العناية بها لما لها من تأثير على وجدانه وشعوره وسلوكه وتصرفاته؛ لذلك كانت الحالة النفسية التي يؤصلها في وجدانه المنبع الذي ينعكس على أفعاله وممارساته، حيث يرتبط العنصران لتشكيل تلكم الثقافة التي تعبر عن الفرح لتنعكس لغة للتفاؤل بغد مشرق في حياة الإنسان على المستوى الشخصي وعلى مستوى الأمة، فمهما تعالت أصوات الكبت والحزن والكآبة في أوساطنا فإن ثقافة الفرح يبقى لها حضورها المنشود بلسان ملؤه التفاؤل وحسنه السماحة التي ترتقي بكمالات الإنسان وأرقى مقامات إنسانيته.
إن مناسبة الحديث عن ثقافة الفرح ولغة التفاؤل ترتبط بما يسود في أوساط المجتمع على المستوى المحلي والإقليمي والدولي من مصائب وآهات وصراعات لا ترشح معطيات الواقع إلا ازدياد وتيرتها بصورة قد باتت تهدد هذه الثقافة وهذه اللغة في مقتل، ومن أجل ذلك فقد استلزم الأمر استدعاء هذه الثقافة وهذه اللغة لتكون المعبر عن واقع الحال وعن رؤية المستقبل مهما أثرت فيها التداعيات والمعطيات الآنية والمستقبلية.
إن استدعاء ثقافة الفرح ولغة التفاؤل في خضم هذه المعطيات السوداوية السائدة على أرض الواقع يستلزمه اعتماد مرتكزات ينبغي أن تتأصل من خلالها نطاقات توظيف إيجابية تعبر عنها وجدانيات الإنسان وتفاعلاته، فإذا كان الحدث الذي يفرض الحزن أو الكآبة قدر من المولى تعالى يقدره جل في علاه على عبده، فقد عالج المنهج النبوي ذلك فقرر أن أمر المؤمن كله عجب إن أصابته سراء حمد وشكر، وإن أصابته ضراء احتسب واستغفر، فهو في معية ربه في كل أحواله وظروفه، ويكون أقرب إليه خصوصا في فترات المواسم التي يظللنا من خلالها هذا الشهر الفضيل في عشره الأخيرة التي نسأله تعالى أن يجعلنا فيها من المقبولين ومن عتقائه من النار.
إن ثقافة الفرح ولغة التفاؤل تنبع من تلكم السعادة التي يتبناها الإنسان كما قررتها الرؤية الشرعية المرعية، حيث إن هذه السعادة لا تتمثل البتة في جمع المال والتكالب على الدنيا الحقيرة المستحقرة التي لا تساوي عند المولى تعالى جناح بعوضة، بل السعادة لا تكون ولا يمكن أن تكون لمن يبحث عنها إلا بتقوى المولى جل في علاه عندما يتقرب إليه العبد ويضع في اعتباره في كل أحواله وظروفه، فمن كان مع مولاه كان مولاه معه، وربك الذي سواك عندما تكون مستحضراً لعظمته معظماً لعبوديته في كل أحوالك ستجد في نفسك متنفساً لبناء منظومة الفرح، وعندها لن تكون لغتك إلا لغة متفائلة ستعبر عن بوارق الأمل بغد مشرق تستعيد فيه الأمة صناعة دورها المنشود في خدمة الإنسانية.
وإذا كان هذا هو مضمون ثقافة الفرح التي من شأنها أن تعكس لغة التفاؤل، فإن نشر هذه الثقافة بتفاصيلها في أوساط المجتمع من شأنه أن يغرس ثقافة التسامح والقبول بالآخر، وما أحوجنا في هذه الأيام لشيوع هذه الثقافة في بعدها الإنساني الراقي الذي يبحث الإنسان من خلاله عن ذاته لتتأسس نفسيته على الاعتدال وروحه على الوسطية وسلوكه على الاستقامة، وما أكثر فرح العبد عندما يجد ضالته في حضرة ربه فيخلو به لتسكن نفسه وتشتعل قريحته بلغة التفاؤل التي ستبقى حاضرة مهما تأججت الصراعات وتوسعت دائرة النزاعات في كل الأحوال والظروف ما دمنا مع مولانا نرجوا رحمته ونسأله السعادة والطمأنينة والرضوان.

زبدة القول
أن يتبنى الأفراد كممثلين لمجتمعهم إشاعة ثقافة الفرح ولغة التفاؤل وفق ما يرتبط بمقتضيات الرؤية الشرعية المرعية في موضوعيتها ووسطيتها يعني أنه مهما تأججت الصراعات والخلافات فإن ثقافة التعايش والتسامح ستبقى حاضرة لتكون أصلاً في واقع المجتمع ومستقبله.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية