العدد 2450
الثلاثاء 30 يونيو 2015
banner
الفكر الداعشي بين المقاومة الفكرية والأمنية أحمد مبارك سالم
أحمد مبارك سالم
وقفات
الثلاثاء 30 يونيو 2015

يمثل الفكر الداعشي الذي بات يشغل الرأي العام العالمي نبتة خبيثة ساهمت في زراعتها الأجهزة الاستخباراتية لأغراض إحداث الفوضى المدمرة بعد فشلها في تغيير الأنظمة من خلال الفوضى الخلاقة، وكانت ومازالت نشأتها وبروزها بهذه الصورة الخطيرة محل خلاف ما بين قائل إن “داعش” يمثل كياناً متطرفاً تمثل وجوده بسبب حالة الفوضى التي شهدتها بلاد الرافدين وبلاد الشام، والذي على الرغم من التحالف العالمي الذي تقوده أميركا لتقويض أركانه إلا أنه مازال يتوسع ويحقق انتصارات حيناً وإخفاقات في أحيان أخرى، وما يهم في هذا المقام لا يتمثل بمناقشة خطورة الكيان في الأرض التي سيطر عليها، بل ما بات يهدد به هذا التنظيم دول مجلس التعاون في مقتل بسبب الأعمال الانتحارية التي تقوم بها ما بين الفينة والأخرى عناصر من داعش في مساجد الشيعة، حيث حصل تفجيران في المملكة العربية السعودية وتفجير أخير في مسجد الإمام الصادق في دولة الكويت تبناها التنظيم، ليستمر مسلسل التهديدات إلى ما لا نهاية لدول المجلس، وكان آخرها تهديدات لمملكة البحرين وفق ما تم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي.
إن الفكر الداعشي هو فكر متطرف وعميل وظفته أجهزة الاستخبارات الغربية لتحقيق أغراض محددة تستهدف إعادة رسم الخريطة السياسية في الشرق الأوسط مستغلة الصراع الدائر هنا وهناك ويحمل صبغة طائفية بامتياز، فمنذ أن أطلقت المملكة العربية السعودية عمليتها العسكرية “عاصفة الحزم” التي قادتها مع حلفائها لتثبيت الشرعية في جمهورية اليمن تكررت مثل هذه الحوادث التي تستهدف إشعال الفتنة الطائفية في ربوع دول مجلس التعاون، ولا شك أن الفكر المتطرف مثل بيئة خصبة لاحتواء وتبني الأعمال الإرهابية المرشحة للتصاعد في خضم الظروف والأحداث السائدة، حيث يبقى زاد شعوب الخليج في مقاومة ذلك متمثلاً بالوحدة الوطنية والتكاتف والتعاضد ابتغاء احتواء الفتنة الطائفية حتى لا يُنتهك أمن شعوب الخليج في خضم الصراعات الدائرة حولهم.
لا يمكن بأي حال من الأحوال تحقيق الاحتواء للفكر الداعشي من خلال الحلول الأمنية التي تستهدف الوقاية من الأفعال الإجرامية لحظة وقوعها أو قبل وقوعها من خلال أنشطة استخباراتية تدل على رغبة الشروع فيها، بل لابد من احتواء الإشكالية المتجذرة التي تسببت في نشوء هذا الفكر في ترعرعه واستقوائه بذاته بصورة لم تحظ بأية متابعة رسمية أو أهلية للحيلولة دون بروز كيان هذا الفكر بالخطورة التي نراها، فهناك إشكالية كبيرة في الفهم المغلوط للدين، حيث يتم توظيفه وفق أجندة سياسية لتحقيق أغراض باتت تهدد أمن الوطن في مقتل، فما يحصل من وجود فئات من المجتمع استشرت في أوساطها ثقافة إراقة الدم ليس وليد اللحظة، فهناك إشكالات متجذرة سببت هذا الانتشار للفكر المتطرف لا يمكن احتواؤها أبداً بالحلول الترقيعية، بل لابد من تبني منهج مستدام يأخذ بعداً استراتيجياً لتحقيق الأهداف المرجوة المتمثلة بتقويض هذا الفكر للحد من استشرائه، ولا شك أن التبني للفكر الوسطي الذي يعتمده منهج الأزهر الشريف يمثل حجر الزاوية في ذلك، إلا أن من المؤسف في ظل المعطيات الراهنة أن المعاهد الدينية التابعة لوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف لا تتبنى الاستعانة بمناهج الأزهر الشريف لتدريسها، وحتى المعهد الديني التابع لوزارة التربية والتعليم الذي كان يدرس الكتب الأزهرية لم يعد يدرسها بما كان معهودا عليه الحال منذ عشرة أعوام، هذا فضلاً عن إلغاء البعثات الأزهرية للبحرينيين لأسباب غير معروفة، مما يستلزم تبني القيادة السياسية لمبادرات جادة لإعادة إحياء التعاون الجاد والواقعي مع مؤسسة الأزهر لنشر مذهب الاعتدال والوسطية في المناهج التعليمية أو حتى من خلال الدروس العلمية لتثقيف المجتمع وحمايته من الفكر المنحرف والمتطرف.
زبدة القول
تمثل المقاومة الفكرية للفكر الداعشي المتطرف حجر الزاوية في احتواء انتشار هذا الفكر واستشرائه في المجتمع، ولا شك أن عدم التبني لنشر الفكر الوسطي الأزهري لنشر الفكر المعتدل في المجتمع مثل ومازال يمثل جانباً جوهرياً هيأ تربة خصبة لاستشراء الفكر المتطرف حتى بات يهدد الأمن في ربوع بيوت الرحمن، مما يستلزم تبني بعد استراتيجي لنشر الفكر المعتدل والوسطي في المجتمع.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية