العدد 2419
السبت 30 مايو 2015
banner
تفجير القديح ... الحيثيات والتبعات أحمد مبارك سالم
أحمد مبارك سالم
وقفات
السبت 30 مايو 2015

طالعتنا الأخبار في جمعة الأسبوع المنصرم بقيام إرهابيين بعملية انتحارية في مسجد الإمام علي بن أبي طالب (كرم المولى تعالى وجهه) بقرية “القديح” بالقطيف، وذلك على الرغم من عدم مضي أكثر من سبعة أشهر على العملية الإرهابية التي استهدفت حسينية بقرية “الدالوة” في محافظة الأحساء، والتي كان قد نفذها مسلحون منتمون لتنظيم داعش عندما قاموا بإطلاق النار بشكل عشوائي أثناء تجمع لعدد من المواطنين بداخل الحسينية، ما أدى لمقتل 7 مواطنين وإصابة 13 آخرين، وذلك حتى تكرر حدثًا يحمل معطيات أضخم تمثلت في تنفيذ عملية انتحارية إرهابية أكثر دموية من سابقتها تمثلت بالتفجير في مسجد أثناء أداء صلاة الجمعة فيه بواسطة انتحاري كان يرتدي حزامًا ناسفًا، مما تسبب في مقتل 21 مواطنًا وإصابة 102 آخرين؛ لتتوالى تصريحات الاستنكار والشجب على هذا الفعل الجبان والجريمة النكراء التي تهدف إلى ضرب وحدة الشعب السعودي وزعزعة أمنه واستقراره، حيث أثبت المجتمع السعودي وما زال مدى وعيه الكبير بتماسك كافة مكوناته والوقوف صفًّا واحدًا تجاه كل من يريد النيل من وحدة وأمن واستقرار وطنه، وذلك في ظل عجز المؤسسات والمنابر الدينية الرسمية وغيرها عن مواجهة الأعمال الإرهابية نتيجة بعدها عن كل أدواته وأسلحته الجديدة في نشر فكره، وهو ما يجعل معظم جهودها التقليدية غير ذات أثر يذكر في حماية فكر الشباب من التأثر بما يروجه في شبكات التواصل الاجتماعي.
هذا هو جانب من حيثيات الخبر الذي نشر حول هذا الحدث الإرهابي، ولا أعرف من أين أبدأ وإلى أين أمضي بكلماتي المتوشحة بالسواد حزنًا على هذا الحديث الأليم وهذا المصاب الجلل، فسوف أكون أثناء كتابة كلماتي بعيدًا عن استعراض أي معلومات استخباراتية تتحدث عن معطيات هذا الحدث وتفاصيله؛ إذ يستلزم الأمر التأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات جادة لإيقاف الرؤوس التي تستهدف إثارة الفتنة في مجتمع مؤهل في أي فترة في ظل ما يحيطه من حروب طائفية لأن تستعر نار الطائفية في أوساطه، لا سيما وأن المؤشرات المتعلقة بذلك ترجح هذه المعطيات، وما لم تتبن السلطات الرسمية والأهلية إستراتيجية جادة لمواجهة موجة إشعال الفتنة الطائفية، فإنها لا محالة ستستعر وتلتهب نارها، لا سيما وأن هذا العمل المشين قد تمت ممارسته بأبشع ما تكون عليه صورة الإرهاب باستهداف دور العبادة، وهو ما ينذر بإشعال المنطقة وإصابتها في مقتل.
لا بد من الجدية من مواجهة الفكر المتطرف الذي باتت تنتعش قنواته ضمن مختلف النطاقات، فشواهد الفتنة تبقى حاضرة ما دامت شرارة الإجرام موجودة تسجل وجودها في ظل تهلهل معدلات العدالة الاجتماعية في المجتمع، ولا شك أن اجتماع الفقر وحالة الضنك والضياع الفكري تمثل بذرة يانعة لنمو شجرة الإرهاب كي تسمم بثمارها أفكار الشباب وتجعلهم فريسة سهلة يقتادهم من شاء إلى ما شاء، وليس من شك في أن الحل الصحيح لمواجهة ذلك يستلزم جدية في احتواء الشباب وتلبية احتياجاتهم حتى لا يكون الفراغ – وأعني بذلك فراغ الفكر لا فراغ الوقت – مجلبة لتبني مزيد من الأفكار المحتقنة بالتطرف والانحراف، والتي ستؤدي ومن دون شك - في ظل ضعف التعليم وضعف دور النخبة في المجتمع - إلى مزيد من المتطرفين الذين يصل بهم تطرفهم إلى ارتداء الأحزمة الناسفة لقتل أمة اجتمعت للعبادة أيًّا كان مذهبها وأيًّا كان مشربها.
 
زبدة القول
    ليس من شك في أن التداعيات التي تشهدها المنطقة تستلزم مزيدًا من التبني في استقراء المشهد ضمن إطار إستراتيجي مدروس، فتسمم فكر الشباب في ظل بروز تنظيم داعش وبمعيته مناصري الفكر الإرهابي والمتطرف لم يكن من فراغ، بل نجم عن إهمال جسيم ارتكبته وما زالت ترتكبه مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية في بناء ذلك الفكر الإيجابي لدى الشباب كي يكون عنصرًا بناءً في مجتمعه بدلاً من حالة الفراغ الفكري التي بات يعانيها الشباب بسبب ضعف قنوات التصحيح الفكري في قطاع التعليم وفي غيره من القطاعات، لا سيما في ظل التهميش للدور المحوري لمؤسسات المجتمع المدني في ذلك بصورة باتت تهدد المجتمع الخليجي في مقتل. 
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية