العدد 1369
السبت 14 يوليو 2012
banner
نوف العمودي وحملة التشجيع على تعدد الزوجات أحمد مبارك سالم
أحمد مبارك سالم
وقفات
السبت 14 يوليو 2012

منذ أيام نشرت وسائل الإعلام والصحف عن حملة تبنتها طالبة الطب السعودية نوف العمودي، والتي دعت خلالها إلى الحث على توجيه المجتمع نحو تعدد الزوجات، وذلك متى ما وجد الرجل استطاعة مادية، وتمكن من أن يحقق العدالة بين زوجاته اللواتي يتزوجهن، وقد لاقت حملة العمودي ردود فعل ما بين تأييد في صفوف الرجال، ومعارضة وتحد في صفوف النساء اللواتي عبرن عن استيائهن من هذه الدعوة، حتى أن إحداهن طلبت من نوف أن تكون زوجة ثانية معها.
وقد بررت نوف تبنيها هذه الحملة بأنه يأتي انطلاقاً من مصلحة عامة بسبب ارتفاع معدل الإناث على الرجال في المجتمع السعودي بشكل خاص، وفي المجتمع الخليجي بشكل عام، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة العنوسة التي أدت إلى تأخر كثير من الفتيات عن الزواج لما بعد الثلاثين، وهو ما ولد العديد من المشاكل الاجتماعية والنفسية للمرأة، كما جاءت حملتها محاربة لزواج المسيار الذي لا يتحقق فيه الاستقرار الزوجي، وتمثل بضرب من الاستغلال المزري من طرف لآخر.
وإذا كانت الدعوة إلى التعديد في الزوجات ليست مثار جدل، فإن دعوة امرأة لذلك هي التي أثير حولها الكثير من الجدل، وهو ما ولد كثيراً من ردود الفعل انطلاقاً مما تضمنته العناوين الرئيسة للحملة دون ما تضمنته من تفاصيل، ولكن ما يثير التساؤل ويجعلنا نتفكر بقضية تعدد الزوجات كمشكلة مثارة هو ما يتمثل به البعد الشرعي والبعد الاجتماعي للمشكلة.
فأما البعد الشرعي، فإنه لا مراء في أنه متى ما كانت لدى الرجل رغبة في تعديد الزوجات، سواء ارتبطت هذه الرغبة بسبب أو لم ترتبط، وكانت لديه قدرة مادية على توفير منزل أو شقة للزوجة الثانية – وأعني بذلك أن الفقهاء رأوا أنه متى عجز الزوج عن توفير ذلك، فإنه لابد من موافقة الأولى عندما يكون الخيار أن يسكنهما في غرف، واستطاع أن يعدل مادياً بينهما وليس قلبياً، فليس ثمة حرج شرعي يمنعه من التعديد، لاسيما إذا كان التعديد بغرض الستر على المطلقات والأرامل والعوانس اللواتي تأخرن في الزواج، وليس بغرض تحقيق الرغبة فحسب.
وأما البعد الاجتماعي، فإنه يتمثل في شيوع ضعف الاستقرار النفسي والتفاعلي لدى النسوة اللواتي يتأخرن في الزواج مع مجتمعهم الذي لا يرحم بإيماءاته وإيحاءاته حول المسألة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى خلق العديد من المشكلات الاجتماعية، لاسيما في ظل ارتفاع مهول لنسبة النساء مقارنة بنسبة الرجال، وهنا تظهر لنا حكمة الله تعالى في التعدد.
ومن الجدير بالذكر أنه خلال الحرب العالمية الثانية بعد هزيمة ألمانيا فيها أدى ذلك إلى قلة في نسبة الرجال مقارنة بالنساء، وبالتالي أدى ذلك إلى كثير من المشاكل الاجتماعية التي جعلت رئيس ألمانيا في تلك الفترة يتوجه بخطاب استفسار حول رؤية الشرع المطهر حول هذه المشكلة لشيخ الجامع الأزهر، والذي أجابه بإجابة ربطها بالدليل الشرعي وبالدليل الاجتماعي، وأكد أن التعدد في الزوجات يعتبر من الحلول الإسلامية لمواجهة هذه الظاهرة في المجتمع، ولا مانع أن يكون ذلك حلاً لمشكلة ازدياد نسبة العنوسة في المجتمعات الخليجية التي على الرغم من تفاقمها كظاهرة، فإنه لا يوجد ثمة دراسات اجتماعية لاستقراء خطورة أبعادها واتخاذ خطوات جادة لاحتوائها.
وبعيداً عن المهاترات والتجاذبات في وجهات النظر حول هذه المسألة على المستوى الشخصي، فإن التفاكر حول المسألة على المستوى الاجتماعي يستلزم طرحاً أكثر موضوعية لها، لاسيما في ظل شح أو انعدام الدراسات الرصينة والمدعومة على المستوى الرسمي وعلى المستوى الأهلي لهذه المشكلة، فإن القراءة المبدئية تقرر أن ثمة مشكلة في تأخر زواج الفتيات ينبغي أن تهتم بها الجهات الرسمية على وجه الخصوص والجهات الأهلية كذلك، وإلا فإن تفاقم المشكلة سيجر إلى ما لا تحمد عقباه في ظل تفاقمها المتزايد الذي من الممكن أن يؤدي إلى انفجار اجتماعي يحول من شأنه أن يحول دون احتوائها.

زبدة القول
لما كان الشارع الحكيم قد ربط ما يقرره من تشريعات باحتياجات المجتمع من أجل تنميته وتحقيق الاستقرار فيه، فإنه لابد من العمل على احتواء التوظيف العشوائي لإباحة الأحكام الشرعية للتعدد، والعمل على تقنين وتنظيم هذا الأمر من خلال رؤية شرعية مستنيرة ترتبط بمعطيات الواقع التي يتم استقراؤها بناء على دراسات علمية مستفيضة للظاهرة، وذلك قبل فوات الأوان وتفاقم المشكلة إلى حد يصعب بعد ذلك احتواءها في الجملة والتفصيل.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية