العدد 1216
الأحد 12 فبراير 2012
banner
من بورسعيد.. سمرة وحليوة.. ترقص بالعيد! د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الأحد 12 فبراير 2012

بورسعيد مصر، عروس القناة، صمام الأمان وشريان العالم الذي يوصل الشرق بالغرب، يمدهم  بطاقة الوقود والغذاء، بورسعيد التي جمعت بين مياه البحر الأبيض المتوسط الخفيفة الباردة، ومياه البحر الأحمر الثقيلة الساخنة،  بور سعيد التي قدمت التضحيات على مر التاريخ دفاعا عن مصر وأهلها، وحمت القاهرة تغدر اليوم بأهلها، وتستكثر على نفسها استضافة أشقائهم فريق الأهلي لكرة القدم وتوفر له الحماية؟ أهذه هي روح الضيافة والكرم التي يتحلى بها العرب، أيمكن أن تكون هذه بور سعيد مصر التي أعرفها، “سمرة وحليوة ترقص بالعيد” بورسعيد التي  يستحي البحر أن تتلاطم أمواجه أمام ساحلها لهدوئها فيكون في أهدأ أحواله وحالاته عند شواطئ بور سعيد!.
 رغم مرور أسبوع على حادثة ملعب كرة القدم الذي جمع بين فريقي المصري والأهلي، وذهب ضحيتها عشرات القتلى ومئات والجرحى، في اقتتال شرس وجها لوجه، هزت شراسته العرب والعالم، ما زلت مصدوما لا أكاد اصدق ما جرى، وأنا الذي جبت الوجه البحري  مرة تلو المرة، بدءا من السويس فالإسماعيلية فبور سعيد- حيث المنطقة الحرة، لأعبر إلى بور فؤاد أستمتع بجلسة المقاهي الأنيقة  ببساطتها فأعود، لأغادرها  إلى الشرقية، وإلى رأس البر مقابل دمياط حيث تتعانق مياه النيل العذبة بمياه البحر،  ومنه إلى مصيف جمصة جوار المنصورة  وكفر الشيخ فالبحيرة حتى الإسكندرية وشواطئها المنتزه والكورنيش والعجمي لأسلك الطريق الصحراوي إلى الفيوم فالجيزة والقاهرة  في رحلة تستغرق شهرا طيلة خمس سنوات عشتها في مصر ما لقيت فيها إلا الوجه الضاحك، والابتسامة الحلوة، والناس العشريين، فكيف فعلوا ما فعلوا؟ وما دافعهم إلى ذلك؟ مع أن أهالي بورسعيد الطيبين كانوا الفائزين ونفوسهم سعيدة وعيونهم قريرة. فكيف تحول جمهور الفريق الفائز وجمهور بورسعيد الهادئ إلى وحش قاتل على غير العادة، وحولوا ساحة الملعب من ساحة تجمهر للفرح والتنافس الإيجابي إلى ساحة حرب ومعركة يقتل فيها الأخ أخاه؟حتى لو افترضنا أنهم استفزوا، أما تكفيهم نشوة الفوز بثلاثة أهداف مقابل لا شيء في تنافس نزيه.
أهذه هي روح التنافس الرياضية المصرية التي كنا نشاهدها  لدى الجماهير وهي تعبر بالرقص والأهازيج العفوية ومشاهد قلما تراها  في بلد آخر، أولا تجدها في غير مصر كما هي في مصر؟ ألا تشكل هذه الحادثة ظاهرة قارة تستحق الدراسة، أليس الجمهور الإنكليزي الذي هو الآخر أهدأ شعوب أوربا وأكثرها حضارة وتمدنا وتفاعلا مع روح القانون بيد أنه أكثر شعوب أوروبا شراسة في ملاعب كرة القدم ولاسيما بعد انتهاء المباراة، فهل هذا العنف من خصائص لعبة كرة القدم تحل محل المتعة بفن الأداء؟
 وهل يستطيع احد أن يبرر كيف انقلبت بورسعيد مدينة التسامح لتي اعتادت تعارف الأجناس المختلفة وتآلفها، رغم اختلاف الطبع والعادات والقيم فلا تستفز بسرعة إلى النقيض؟
 وماذا سيقول المصريون بعد اليوم لإخوانهم العرب وقد نقلوا عنف الملاعب من الصراع بين العربي والعربي إلى صراع أشرس وأكثر دموية  بين المصري وأخيه المصري، ألم يمر المصريون مع إخوانهم الجزائريين  بتجربة العنف والتطرف والقسوة، وتجاهل الأخوة والمثل الإسلامية والقيم العربية وما زالت آثار الصدامات السابقة إلى اليوم لم تمح من الذاكرة؟ فعلى من نرمي المسؤولية اليوم في هذه التجربة المرة التي ستبقى آثارها السلبية لعقود، وكيف نفسر ما جرى ببور سعيد؟ ولماذا انضم الأهالي ممن لم يحضروا المباراة إلى من حضروها وشاركوهم بالاعتداء على إخوانهم الزوار وأوقعوا هذه الخسائر بالأرواح بدلا من حماية ضيوفهم الأشقاء ويحولوا بينهم وبين من يحاول الاعتداء عليهم؟ وهل يصبح عنف الملاعب غير المبرر عادة أو تتحول إلى تقليد مشين يتكرر مستقبلا كلما لعبت فرق المحافظات؟ أين الدارسون والباحثون من الظاهرة؟ وهل هي ثمرة من ثمار الرياضة الجماعية، أم حالة شاذة لا تفسير لها، أم ماذا؟ لأنها كما تبدو وبدت في أسبابها وحوافزها حالة غير منطقية ولا موضوعية صاحبت الربيع العربي، وإلى أين نحن سائرون؟
هل صحيح أن العرب يعيشون زمن التناحر والانشقاقات، فيمارسون كل ما هو ايجابي بطريقة سلبية؟  ويحولون الانتصار إلى حالة اندحار وانتحار؟ وهل يصح أن يقال هذا بحق  من وقفوا وقفة البطولة والشهامة والإرادة في ميدان التحرير واجتمعت كلمتهم من أقصى مصر إلى أدناها، واجبروا نظام القهر على الانصياع لإرادتهم، كيف نسوا هذه الوقفة المشرقة لينقلبوا بسرعة على أنفسهم في ملعب كرة القدم تارة، ومع الشرطة أو الجيش  أخرى، وفيما بين الطوائف والملل ويجعلون من الانتصار انهيارا؟ما يجري في مصر يثير الريبة والشك والألم في النفوس ويحزننا كثيرا، وما اعتدنا أن نراه من المصرين ويا للأسف!
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية