العدد 2605
الأربعاء 02 ديسمبر 2015
banner
فوبيا القاعدة وداعش ونظرية المؤامرة (4) د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الأربعاء 02 ديسمبر 2015

لست ممن يؤمن بإمكانية الدول العظمى أن تفعل ما تريد، فهي أضعف من ذلك ولاسيما في الجانب الفكري، الدول الاستعمارية مهما فعلت لا تستطيع إقناع الأمم الأخرى بما تحمل من فكر إنساني أو قومي أو ديني أو اجتماعي مهما كانت قوتها، حتى لو نجحت نجاحا نسبيا مؤقتا، وحصيلة التجارب أمامنا كثيرة، لدينا تجربة الفكر الديني الذي أرادت أوروبا فرضه بالحروب الصليبية على مدى قرنين وفشلت في تنصير الشرق، وأمامنا الفكر القومي بعد الثورة الصناعية والثورة الفرنسية والحملات العسكرية وما جر الفكر القومي على أوروبا من مآسي الحروب، وتجربة الفكر الاشتراكي الماركسي في الاتحاد السوفيتي في طريقها اليوم إلى الزوال بعد نجاح باهر لفترة وجيزة، وحينما يفشل الاستعمار في مساعي السيطرة والهيمنة يلجأ إلى التآمر بقوة السلاح، وآخرها تجربة احتلال العراق بالقوة وما ترك الاحتلال من عنف وإرهاب ومن مخلفاته القاعدة وداعش. ومازالت تداعيات ضم جزيرة القرم إلى روسيا بالقوة قائمة، فحمل السلاح لسفك الدماء والقتل، دليل قار على ارتباط محاولات أي تغيير بالقوة بنظرية المؤامرة.
وإذا لم تخضع ولادة تنظيم القاعدة ولا داعش لنظرية المؤامرة في النشأة، فطريقة حصولها على السلاح سواء من المالكي يوم كان يحكم العراق أو من إيران أو من الأسد في سوريا، وضعها في رتبة الاختراق والتآمر، ولولا التآمر لم تحظ داعش بالترويج إلى درجة أنها أصبحت فوبيا تخشاها دول العالم وتقاومها بالعنف المفرط، وتحمل العرب والمسلمين جميعا فوبيا إساءاتها، ودائما يرتبط استخدام الدول والجماعات والأفراد السلاح بطريقة غير قانونية بهدف التغيير بالتآمر، الحاكم المستبد حين يلجأ إلى سلاح الجو والبحر والراجمات ضد شعبه، فهو مدفوع ومدعوم من جهات تتآمر، وأي انقلاب عسكري يحمل معه مبررات التآمر، وأية دولة تعتدي على أخرى بالسلاح دولة تتآمر، ولدينا في العراق وسوريا اليوم ما يقرب من خمسين مليشيا مسلحة تابعة كلها لإيران فماذا يفسر مثل هذا العدد الكبير بغير تآمر إيران على دول المنطقة بعد فشلها فكريا وقوميا ودينيا في فرض ما تريد، كما فشلت اميركا قبلها في العراق، وفرنسا في الجزائر، والاتحاد السوفيتي في افغانستان، وستفشل إسرائيل في فلسطين ولو بعد حين.
ولماذا نستبعد نظرية المؤامرة على العرب ولهم ثروة نفطية تعد أكبر مصادر الطاقة التي يحتاج إليها العالم، ويطمع بها القاصي والداني، ويحسدهم عليها القوي والضعيف، الغني والفقير فضلا عما لديهم من الثروات المعدنية؟ لماذا نستثني المؤامرة وموقع العرب الجغرافي يتحكم بأهم مسالك البحار والمياه الدولية والممرات المائية الاستراتيجية التي تعبر من خلالها أرزاق العالم، الغذاء والتجارة والطاقة والبوارج العسكرية الحربية؟ ولهم أجواء تختصر مواصلات العالم واتصالاته الجوية في نقل البضائع والمسافرين؟ لماذا نستبعد المؤامرة وبلادهم بلاد الشمس الجميلة والرمال تستهوي سياح الغرب والشرق رغم ان منشآتنا السياحية ادنى مستوى من غيرها! ألا تغري هذه المزايا الدول الكبرى بالتآمر علينا بكل الوسائل لنبقى نهبا وغصبا لكل طامع.
لماذا نستبعد المؤامراة ولأمتنا تاريخ مشرق وهي تطمح باسترداد أمجادها والمساهمة في قيادة العالم؟ لماذا نستبعد نظرية المؤامراة وقد أصبحنا بفعل الهيمنة دولا مستهلكة للسلع المصنعة ولكل ما ينتج هنا وهناك، وطاقاتنا المادية والبشرية الفنية معطلة ومهدورة، تهاجر لتكون الآلة الحقيقية المحركة لإنتاج الدول الصناعية المصدرة؟ كل هذا وتنقصنا الحرية والتحرر، ونرزح تحت نير الجهل والفقر والمرض بل والتناحر، فنظرية تآمر الشرق قبل الغرب علينا واردة أكثر من أية أمة في العالم. وفي هذا الوقت أكثر من أي وقت آخر.  
لقد مهدت فوبيا داعش والقاعدة لكل العالم النيل منا بسهولة، لماذا لا تكون زراعة داعش بيننا مؤامرة كتلك التي زرعت القاعدة، ألم تتآمر علينا ايران بذريعة المقاومة فغرست حزب الله في لبنان وكيف فرض نفسه بالقوة، وغرست الحوثيين في اليمن، وكتائب ابوالفضل العباس في سوريا ومليشيات بدر والعصائب لشن حرب المدن المحروقة بحجة محاربة داعش، ألم يخدعنا كل هؤلاء واكتشفنا أنها المؤامرة القادرة على تحطيم أماني شعبنا ومستقبل أمتنا حين نصبح وسيلة تدريب وتجارب لقوى الاستكبار العالمي تتدفق علينا بطائراتها وبوارجها لتدمير مدننا وتهجير شعبنا وتقسم أوطاننا، ألا نُصنف ضمن العالم الثالث بعد الأول والثاني، وتصنف مدننا بغداد ودمشق وصنعاء والقاهرة والخرطوم وحتى بيروت أسوأ مدن العالم من حيث انعدام الأمن والعيش الشاق، فماذا بقي لنا لنتجاوز نظرية المؤامرة؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .