العدد 2604
الثلاثاء 01 ديسمبر 2015
banner
فوبيا القاعدة وداعش ونظرية المؤامرة (3) د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الثلاثاء 01 ديسمبر 2015

إن من يستثني القاعدة وداعش من نظرية المؤامرة، رغم ما قامتا به من أعمال أدت إلى تخريب أوطان وتهجير شعوب، وحرق وقتل، يسبغ عليهما طابع الشرعية، لأننا عند ذلك لابد أن نجد الوصف الملائم لطبيعتيهما، اما وطنية أو قومية أو دينية أو إنسانية ولما لم تكونا لتصنفا تحت أي من هذه العناصر والدوافع، بدفع وتشخيص المتخصصين في هذه المجالات فلا يمكن أن تكون داعش، إلا نتاج مؤامرة، بغض النظر عمن أخرجها أو أنتجها أو كتبها ووضع السيناريو، سواء أكانت تنتسب إلى الغرب أو الشرق، ولماذا لا تكون مؤامرة عالمية، إذا كان مقاتلوها من كل العالم، وتمويلها عالميا، ووجودها وانتشارها كذلك، واتفق العالم كله على محاربتها، مثلما اختلفوا في الغايات التي من أجلها يحاربون القاعدة وداعش، وإذا كان الهدف واحدا هو محاربة الإرهاب فلماذا وعلام  يختلفون؟
وإذا كنت لا أدعي لنفسي الحيادية في المواقف فلا أقل من أن أكون منصفا، وبإنصاف العالم كله اشترك في ولادة داعش والقاعدة، بشكل مباشر أو غير مباشر، هذا أسهم بولادتها، وذاك بتمويلها ماديا وبشريا، وهذه بتسليحها وتلك بالترويج لها سلبا وإيجابا. ولكل منهم غاية يسعى لها. واستكمالا لسياسات تآمرية سابقة، ولادة القاعدة وداعش ليست مفصولة عن الأحداث التي سبقتها، ولادة القاعدة وداعش مرتبطة بولادة إسرائيل وزرعها نبتة هجينة في المنطقة وتهجير الفلسطينيين، ومرتبطة بمؤامرة تقسيم الأمة العربية إلى 25 دولة لكل منها علم، ومرتبطة بولادة جامعة الدول العربية  وليس رابطة شعوب، مما جعلها ولادة خدج تفرق ولا تجمع، ومرتبطة بسعي الدول الصناعية لجعل الشرق الأوسط، شعوبا مستهلكة وليست منتجة، مرتبطة بأمة خاضت حروبا طاحنة مع اسرائيل تساندها دول عظمى بجيوش وجسور جوية وبحرية وبرية، ومرتبطة بسياسة دعم الدول العظمى شرقية وغربية لحكام مستبدين وفاسدين طيلة عقود، ومرتبطة قريبا بفشل ثورات الربيع العربي والالتفاف عليها وإحباط الشباب، ومرتبطة بطريقة تعامل الحلفاء مع داعش  من الجو والقصف الذي إن أصاب داعش مرة يصيب المدنيين عشرات وقائمة التفاصيل طويلة.
ولنأتي على تفاصيل المهجرين الذي نزحوا بسبب الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب 1948 أو بسبب سياسات حكومات فاسدة وظالمة، استقبلتهم أوروبا وأميركا ورعتهم وعاشوا فيها آمنين وولد لهم أبناء كبروا وتنكروا للجميل حينما فجروا أو قتلوا مواطنين لدول احسنت إليهم، هذه قراءة بعين واحدة ناقصة ومنحازة، القراءة الصحيحة السليمة أن هذا الابن غرس في تربة غير تربته، لم ير عما ولا خالا ولا جدا، رحل أبوه وتركه وحيدا مواطنا من الدرجة الثالثة أو الثانية يعامل كمرتزق، لونه مختلف وقيمه ولغته مختلفة، وحين يبحث عن الحقيقة يجد الاتحاد السوفيتي وأوروبا وأميركا، أرادوا التخلص من اليهود فرحلوهم إلى فلسطين، احتلوا دور أهلها ومزارعهم وطردوهم وشردوهم، فماذا يكون شعوره؟ وما الذنب الذي جناه ليعيش بعيدا معزولا عن وطنه وأمته وذويه ويدفع كل هذا الثمن الباهظ؟
يحفظ التاريخ للخليفة عبدالرحمن الداخل الملقب بصقر قريش وقد هرب من العباسيين الذين داهموا الشام بجيوشهم، الى المغرب العربي، ودخل الأندلس خلسة وأقام فيها خلافة أموية  دامت ثمانية قرون، كان خارجا في رحلة وشاهد نخلة وحيدة  فوقف عندها باكيا متذكرا وطنه وهو الخليفة ليقول: يا نخل أنت غريبة مثلي ** في الغرب نائية عن الأهل... فأبكي وهل تبكي ملمسة ** عجماء لم تطبع على خبل ... لو أنها تبكي إذن لبكت ** ماء الفرات ومنبت النخـــل.
وأرسل رسالة إلى اخته في الشام مع ركب  يقول فيها: أيها الركب الميم أرضي ** أقر من بعضي السلام لبعض... إن جسمي كما علمت بأرض ** وفؤادي ومالكيه بأرض... قدر البين بيننا فافترقنا ** فطوى البين عن جفوني غمضي... وقضى الله بالفراق علينا ** فعسى باجتماعنا سوف يقضي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية