العدد 2603
الإثنين 30 نوفمبر 2015
banner
فوبيا القاعدة وداعش ونظرية المؤامرة (2) د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الإثنين 30 نوفمبر 2015


لا يزال الكثير منا يرى نظرية المؤامرة شماعة نعلق عليها خيبتنا وإخفاقنا، وأسطوانة مشروخة يدق عليها من لاحول لهم ولا قوة، وعلينا أن نسلم ببراءة الشرق والغرب من التآمر علينا كبراءة الذئب من دم يوسف ابن يعقوب، فهم لا يريدون لنا إلا الخير، ولكننا نحن ننكر الجميل، كنا نركب الحمير والبغال والجمال، فصنعوا لنا الطائرات والسيارات، كنا نعاني برد الشتاء القارص وصقيعه وحر الصيف اللافح ولهيبه، فصنعوا لنا المكيفات والثلاجات لنستمتع بالهواء والماء الباردين، كنا نستخدم الحطب للطهي والخبز فصدروا لنا البوتكاز والأفران الكهربائية والأوتوماتيكية، كنا نرتدي البشت المصنوع من وبر الجمال وصوف الضأن، فجاءوا لنا بالحرير والمنسوجات القطنية، كنا نعيش ظلام الليل الدامس فاخترعوا لنا الكهرباء، علموا أولادنا الطب والهندسة، والعلوم، فماذا تريدهم أن يفعلوا لنا أكثر من التمدن الذي نحن فيه بعد عهدنا بحياة البداوة. فماذا قدمنا لهم غير الإرهاب؟
ويقولون استقبلونا من فلسطين هاربين من إجرام الصهاينة، أو فارين من ظلم الحكومات والأنظمة، وقبلوا بنا مهاجرين ساعدونا وعلمونا، فأصبح الكثير من آبائنا رجال أعمال وأصحاب مؤسسات يمتلكون الملايين والمليارات، ولكنهم يتبرعون بها للإرهابيين، حتى الأحفاد ولدوا وعاشوا بين ظهرانيهم صاروا يكيدون ويدبرون لمن أحسن اليهم وفتح أمامهم الفرص، واليوم نفجر ونقتل ونقطع الرؤوس والأيدي التي امتدت إلينا بالمساعدة.  نصدر لهم الإرهاب ويصدرون لنا كل ما نحتاج إليه في حياتنا الجديدة، ييسرون لنا كل صعب وعسير، استغثنا بهم ليقدموا لنا المساعدة في مقاومة الإرهاب فقدموا لنا السلاح والمدربين وأرسلوا طيرانهم ليقصف الإرهابيين ويدافع عنا ويحمينا، لا يكفينا هذا ونطالبهم بإرسال أبنائهم لحمايتنا من الإرهاب؟ ولم يبق إلا مطالبتهم بمباركة داعش والقاعدة وشكرهم على ما فعلوا من جرائم وحشية، وهجمات همجية، وتفجيرات دموية؟ ونريد منهم ألا يشتكوا أو يتذمروا من فوبيا حقيقية عاشوها واقعا ملموسا حتى لا يسيئوا إلى الإسلام والمسلمين من فوبيا تنظيم الدولة الإسلامية.
كل هذا الذي يقال يبدو صحيحا في الظاهر والشكل، ولكنه سطحي سخيف ومردود عليه، العرب والمسلمون لا يكرهون ولا ينتقمون، والمعركة ليست بين المسلمين والمسيحيين، ولا بين العرب والغرب سواء كانوا من أميركا أو أوروبا أو غيرهما، المعركة كما يقولون بينهم وبين الإرهاب، أي بين دول لها استراتيجيات سياسية ومواقف وبين وجماعات إرهابية خارجة على القانون، منهم نسبة كبيرة من أوروبا وأميركا والاتحاد السوفيتي سابقا، هم يقولون ذلك وليس نحن فالإرهاب لا دين له ولا وطن، نحن من مازلنا نتعلم في أوروبا وأميركا ونسافر إليها سياحا، ولا نقاطع بضائعهم، والفرنسيون والبريطانيون والأميركان والروس والصينيون والكوريون يعيشون في بلادنا بحرية وأمان، ولا أحد يعتدي عليهم كما يُعتدى على جالياتنا في الغرب، بل نحترم الخواجات أكثر مما نحترم بعضنا على طول المدى، والكثير من المتدينين يشعرون ان الغربي المسيحي أقرب إليهم من الشرقي الملحد. وفكرة الفوبيا كانت يجب أن لا تطرح ولا يلتفت إليها. فلا داعش ولا القاعدة ولا المليشيات الإيرانية المسلحة تمت للاسلام ولا للعروبة بصلة ولو ادعوا ذلك، ليحمل الإسلام والعرب أوزارها.
  أما ما يطرح بشأن التحضر والتمدن نشهد لهم اليوم بذلك على ما يؤخذ عليهم أخلاقيا، وسبق لهم التعلم منا قبل أن نتعلم منهم، وهم أخذوا منا واستفادوا أكثر مما أخذنا منهم من اسباب التمدن والحضارة، في العصور الوسطى كنا نعيش في النور حين كانوا يقبعون في الجهل والظلام، نحن علمناهم الكتابة والقراءة، وعلى أرضنا ولد أنبياؤهم، وقدمنا لهم القوانيين، وعلمناهم أساليب الزراعة، وبناء السدود والحساب والجبر والهندسة والفن والجغرافيا والطب والعلوم ولا عيب ولا فضل ساهمنا ويساهمون. حينما كنا نحكم بلادهم عدلنا وأكرمنا، وحينما حكمونا أذلونا وقسوا علينا واعتدوا والله لا يحب المعتدين.
أما ما تقدمه لنا الدول الصناعية من سلع وخدمات، هي تجارة، هم المستفيدون، هم ينتجون ونحن نستهلك، هم يربحون ونحن نخسر وندفع، ولا يقدمون لنا شيئا مجانا،  لو لم نشتر ما يصنعون ما عاشوا عيشة الرفاهية التي هم فيها، وما نعاني من فقر وتخلف هم سبب فيه، ومن مخلفات جنايتهم علينا، وللحديث بقية عما ورد من فضل لهم علينا مزعوم، وعقوق منا موهوم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية