العدد 2601
السبت 28 نوفمبر 2015
banner
فوبيا القاعدة وداعش ونظرية المؤامرة (1) د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
السبت 28 نوفمبر 2015

بات من المنطقي أن نؤمن بنظرية المؤامرة، وأنها واقع يجب كشفه وفضحه، بل من الغباء تقبل الأحداث الجارية في العالم وفوبيا القاعدة وداعش على أنها وليدة ظروفها وابنة ساعتها، وقرارات آنية لمسؤول، وليست وليدة تخطيط استراتيجي بعيد المدى، تضطلع به مؤسسات استخباراتية ومخابراتية، أو مشروعات اجتمعت حولها دول عظمى متنفذة اشتركت في بحثها ودراستها وتشرف على تنفيذها ولها وسائل إعلامة فعالة ومؤثرة تروج لها، وعهدت إلى دول إقليمية اخرى صغيرة مستفيدة و مضطرة تسهم بتنفيذها، وكل له دوره الذي يكلف به، وأوراقه التي يلعب بها.
وكيف لنا أن نرفض فكرة المؤامرة ونحن نعاني تبعات قرارات دولية اتخذت على هامش الحربين العالميتين الأولى والثانية ومازال أثرها وتأثيرها قائما، وتجد من يستمر برعايتها ودعمها، على الرغم من اتخاذها قبل مئة عام، كمقررات سايكس بيكو 1916 بتقسيم الدول العربية، ووعد بلفور عام 1917 بمنح وطن قومي لليهود في فلسطين، وما بعد هذه القرارات من تبعات ثقيلة على أمتنا التي خاضت بسببها حروبا طاحنة كان من نتائجها الجهل والتخلف والفقر والمرض الذي ينخر جسد الأمة، ولاشك أن معركتنا مع الإرهاب اليوم الذي تتبناه القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية، “داعش”، وحزب الله أينما وجد، وبوكو حرام وعصائب الحق، وعشرات المليشيات المسلحة، عربية وغير عربية، سنية وشيعية، ومسميات إسلامية ما أنزل الله بها من سلطان، تثير الرهاب “الفوبيا” وتستغل وتوظف ضدنا، فلماذا لا تكون جزءا من هذه المؤامرة الكبرى، التي نعاني بسببها سفك الدماء وقطع الرقاب والنزوح والتشرد.
كيف لا نؤمن بالمؤامرة على وطن جزئ وقسم، واحتلت أجزاء منه بظل قرارات دولية جائرة وغير منصفة أو بدونها، كيف لا نؤمن بالمؤامرة وأمامنا تحالفات دولية غربية وشرقية مريبة تقام تحت مظلة محاربة الإرهاب، والإرهاب مازال سرا غامضا هلاميا، لا نعرف له بداية ولا نهاية، هل نصدق أن العالم عجز عن تحديد مفهوم ومعنى واضح للإرهاب؟ وهل الإرهاب من السعة والتعقيد بحيث يصعب تحديده وتعريفه؟ وإذَا كان كذلك كما يدعون، كيف نحارب شيئا لا نستطيع تحديد من هو ومن يكون؟ ألم تعلمنا التجارب أن عدم تحديد من هو الإرهابي الحقيقي سمح لأكثر من دولة أن تضرب باسم محاربة الإرهاب بلا حساب؟ ألم يصبح شعار محاربة الإرهاب سلاحا تتراشقه الدول والمنظمات والأفراد من كان معتدلا أو متشددا على السواء، بحسب معايير دول عظمى فما تراه أميركا وحلفاؤها لا تراه روسيا ومن يجري خلفها وفي فلكها؟
إن عدم تحديد مفهوم الإرهاب طيلة عقد من الزمان والاختلاف عليه لا يخدم إلا مصالح دول عظمى تسمي أو ترمي به من تشاء من الحركات المناهضة لسطوتها، وجعل الإرهابي الذي يحمل السلاح ويقتل يتباهى بقطع الرؤوس بلا رحمة ويدعي أنه مجاهد معه الحق والتفويض الإلهي بممارسة ما يريد، ومهد للرئيس الطاغية المتجبر الذي يقتل شعبه رجما بالمدفعية والدبابات والصواريخ والبراميل المتفجرة، الادعاء والتظاهر بالوطنية وأنه مقاوم يحارب الإرهاب والقانون الدولي يقف إلى جانبه. والدول العظمى حين تضرب من يهدد مصالحها باسم الإرهاب فتقتل المسلحين والمدنيين معا بلا تمييز، وهناك من يمارس الإرهاب ويؤلف الاحلاف باسم الدفاع عن حقوق الإنسان، فمن هو على صواب ومن هو على خراب يا ترى؟
 أما كان الأولى تحديد مفهوم الإرهاب على الأقل ليتجنب الشباب المغرر بهم الوقوع في حبائله، إن العرب المسلمين هم اليوم أكثر من يتهم بالإرهاب وهم في الوقت نفسه أكثر من يعاني تبعاته ومساوئه وآثاره المدمرة، وإن عدم تحديد مفهوم الإرهاب بحد ذاته أصبح مؤامرة كبرى سمحت لمن هب ودب التدخل في شؤون المنطقة، وثروة تستغلها دول إقليمية أبشع استغلال لخدمة مصالحها العنصرية والطائفية والاقتصادية والسياسية تحت غطاء مقاومة الإرهاب بحلول أمنية وعسكرية قبل أن يستفحل، وليس بمحاربته فكريا وآيديولوجيا وثقافيا. وللكلام بقية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية