العدد 2515
الخميس 03 سبتمبر 2015
banner
جناية الحوثيين على اليمن (3) د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الخميس 03 سبتمبر 2015

جناية الحوثيين على اليمن لا تقارن ولا تقدر أو تعوض بثمن، وستبقى آثارها جرحا غائرا مفتوحا عقودا مديدة، فالكارثة التي تسببوا فيها بالاشتراك مع الرئيس المخلوع صالح تذكرني بالفأر الذي تسبب بانهيار سد مأرب العظيم في ألفية ما قبل الميلاد وتدمير ما حوله وتشريد أهله، ورغم مرور ما يربو على عشرات القرون مازال الباحثون والمنقبون يكتشفون الجديد من آثار انهيار سد مأرب والخراب المرعب الذي خلفه، وستبقى آثار الفتنة التي أوقدوها في اليمن ونتائجها شبيهة بانهيار السد الذي قال تبارك تعالى فيه: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ* فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ *ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ *وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ). الحوثيون كفروا بأنعم الله الذي منّ على اليمنين الشمالي والجنوبي بالوحدة عام 1990 وكانت جرعة انتصار أذكت روح الطموح والأمل في نفوس العرب جميعا بإمكانية لم شمل الأجزاء على طريق وحدة الأمة الشاملة، فطعنوها من الظهر.
وحدة اليمنين أغاضت حكام إيران الطائفيين، فاستمالوا الأب بدر الدين الحوثي وحرضوه على الوقوف ضد الوحدة، باعتبارها تقلل من نفوذ الطائفة الزيدية كفرقة من فرق الشيعة لأن الجنوب غالبيته سنة شافعية واتحاد الجنوب والشمال يعمق شعور الزيدية بالعزلة كأقلية ثيوقراطية تسعى لإقامة حكومة دينية طائفية. فثيو تعني الدين وقراط الحكم، والحوثيون يزعمون أنهم موجهون من الخالق، وسلوكهم في الحكم والسيطرة يمتثل لتعاليم سماوية، وأوامرهم وحكمهم قضاء وقدر من الله لا يرد عليهم وليس للناس إلا الخضوع والطاعة، وهذا سر من إسرار وقوفهم ضد حكومة علي عبدالله صالح خلال فترة حكمه رغم كونه زيديا فهو قبلي.
علي صالح ناصب الحوثيين الخصومة وناصبوه لسببين، الأول أنه كان يريد تعزيز حكمه فتمسكن لكسب ود السنة الأكثرية بتأييدهم له طالما انه بعيد عن النزعة الطائفية، فمكنوه من بسط سلطته بعيدا عن الحوثيين، لكنه خضع لأهوائه وغروره فهيمن على البلاد امبراطورا مطلقا، وهذا ما حصل بالفعل عام 1994 في حرب الانفصال، ساندت فصائل السنة صالح الزيدي الذي وقف مع الوحدة على البيض الشافعي المذهب الذي دعا إلى الانفصال، لكن صالح بعد أن تمكن ظهر على حقيقته أصبح رأس المفسدين ماليا وإداريا، وبات يعمل لتوريث ابنه أحمد من بعده، فثار عليه الشعب عام 2011، وأيد الحوثيون خلعه ليفتح أمامهم الطريق إلى الرئاسة كما تصوروا، ولما خاب ظن صالح بعد خلعه، وخاب ظن الحوثيين حينما تمخض الحوار الوطني عن قرارات تضعهم بحجمهم الحقيقي، تعاونوا بعد ست حروب طاحنة بينهم خلال عشر سنوات، تخلى الحوثيون عن كل المبادئ والقيم التي كانوا ينادون بها، رفضوا الحوار الوطني، وتآمروا على الثورة وأججوا حربا سابعة على اليمن، غزوا المحافظات بقوة السلاح وأوقفوا مسيرة التغيير التي لم تعد تخدم مصالحهم وعادوا بالبلد قرنا إلى الوراء.
الحوثيون وصالح أول ما أفسدوا الجيش اليمني، ففي عام 1979 اكتشف صالح تنظيما عسكريا ناصريا يروم الإطاحة بحكمه فصار يعتمد على إخوانه وأبناء عمومته ومنطقته من الزيدية، منحهم المناصب الحساسة ومهد لدخول دفعات منهم إلى السلك العسكري ليصبحوا ضباطا وأمراء وحدات وقادة كتائب، وخلال الحروب الداخلية، كان الحوثيون يستغلون بعض هؤلاء الضباط ممن لهم حس طائفي، تقربوا منهم، أغروهم بالمال فصاروا يشترون منهم السلاح المسروق، ويتعاملون معهم كأصدقاء أثناء المعارك حتى بدا الجيش اليمني عاجزا عن حسم النتيجة، لوجود ضباط مزدوجي الولاء، وبعد التعاون الذي حصل بين الحوثيين وصالح مؤخرا، مهد هؤلاء الضباط للحوثيين السيطرة على المحافظات وتسليمهم المعسكرات والسلاح بلا مقاومة على حساب الولاء المهني للجيش والشعب والوطن، وانحازوا لموالاة الأشخاص والطائفة.
والمتتبع لسياسة صالح في الحكم وخدعه ومراوغته يجدها تكريسا لتطلعاته وطموحاته الشخصية على حساب البلد، ويجد نشاط الحوثيين الطائفي منذ أن بدأ اسمهم يتردد في مدينة صعدة خلال عقدين لم يكن لهم قبلها دور سياسي أو ديني، لا يشك أنهم نفذوا أجندة طائفية خارجية لا تمت لليمن والعرب بصلة، ولا يتوانى في الحكم أنهم عملاء كسبتهم إيران بالمال والدعم، مقابل تنفيذ مخطط عدواني مريب يستهدف العروبة والإسلام وجيرانهم في المنطقة لصالح الإيرانيين. فقبحهم الله وقبح أسيادهم وخيب آمالهم بحملة التحالف العربي بقيادة السعودية رعاها الله.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية