العدد 2455
الأحد 05 يوليو 2015
banner
“داعش”... وألف علامة استفهام (8) د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الأحد 05 يوليو 2015

مر عام كامل على سيطرة داعش على نصف مساحة العراق، بعد أن سيطرت على مساحات لا يستهان بها من الأراضي السورية، ومنذ ذلك الحين تبين للقاصي والداني من دول العالم الثالث والمتقدم على السواء، أن داعش لم تعد مجرد فريق مقاتل من المعارضة السورية تصطدم بنظام الأسد أو ظاهرة محدودة، وإنما قوة موجودة على الأرض في أكثر من دولة فرضت نفسها بحكم الواقع، ولها قدرة على الصمود في الهجوم والدفاع، وليس من اليسير اجتثاثها بمجابهة عسكرية، وحملات إعلامية هزيلة تشيطن أو تسفه تنظيم الدولة الإسلامية بطريقة بدائية لا تحترم عقول الناس، وهو ما أفقد الإعلام الرسمي الدولي مصداقيته، وأضعف ثقة الكثيرين بما يقال ويشاع عن داعش وأخواتها، فهل اقتنعت الدول الصناعية الغنية وصاحبة القدرات التكنولوجية والنووية العظمى بأن الحلول العسكرية والأمنية والتهريج الإعلامي أدوات غير كافية لدحر تنظيم كداعش تغلغل بين أوساط المجتمعات؟
إن التطرف ليس من فطرة الإنسان وإنما نتيجة ممارسات قهرية ظالمة لا إنسانية تمارس عليه بشكل فوقي فتدفع بأكثر الناس هدوءا ورقة إلى الجنوح إلى الوحشية والهمجية بين عشية وضحاها، والإنسان حينما يعجز عن استرداد حقوقه بالطرق السلمية يلجأ إلى العنف، وفي الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان، ولاسيما في بلاد يكثر فيها الفساد والفقر والجهل والمرض، المجتمعات والشعوب لا تمارس العنف إلا كرد فعل لممارسة قوى تسلطت ومارست العنف الرسمي المنظم ضدها، فما الذي أعده العالم موضوعيا وجديا لوقف مسلسل العنف الذي بدأ يجتاح العالم من سنوات، غير الخلط بين الإرهاب ونقيضه كالمقاومة، فمثل هذا الخلط إذا نجح في فترة قصيرة، ستكون نتائجه عكسية ويعود على المجتمعات بالوبال، وكم قالوا: الوقاية خير من العلاج، في زمن لم تعد فيه الشعوب من السذاجة بمكان بحيث يمكن تضليلها بالكلمات والوعود.
ما يجري في المنطقة العربية نتيجة لجناية دولية على شعوبنا تقاسمت فيها الدول العظمى المنطقة ووضعتها تحت الاحتلال ثم صنعت منها دويلات متناحرة على الحدود والزعامات، والثانية أسهمت بوصول العسكر إلى قمة هرم السلطة ومنحتهم شرعية التعسف والتسلط على الرقاب، فعشش الإرهاب في هذه الدول من فوق قادتها وأسفل منهم، رأينا نظام الأسد الجائر في سوريا، وورثة الاحتلال في العراق، ونظام مبارك بمصر، والقذافي في ليبيا، وعلي عبدلله صالح في اليمن، وعلي زين العابدين في تونس وما ترك هؤلاء لشعوبهم من إرث حرام، هؤلاء العسكر هم من أسهموا بغرس بذرة العنف والإرهاب بأنظمة بوليسية ترى الرعية بهائم وتتعامل معهم كالبعوض، وما دروا أن البعوضة تدمي مقلة الأسد.
إن حلم داعش بدولة إسلامية على غرار خلافة الراشدين أو خلافة الدولة الأموية والعباسية والعثمانية ليس جديدا، وإنما وليد طموحات لجماعات وأحزاب متعددة تأسست منذ أكثر من قرن ومنذ تنحية السلطان العثماني عبدالحميد وخلعه بدفع من الصهاينة، ولم تلتفت الدول الكبرى إلى الحد الأدنى من طموحات العرب والمسلمين وأوغلت في تقسيم دولتهم وإذلالهم منتشية بالنصر العسكري الذي حققته في الحرب العالمية الأولى على الدولة العثمانية، وتجاهلت أمجاد العرب الحضارية وطموحاتهم، بل خدعتهم وطعنتهم من الخلف بعد أن منتهم ووعدتهم بدولة كبرى موحدة، فظلت تطلعات العرب مكتومة ومكبوتة في النفوس تتوالد مع الأجيال وتحن إلى أمجاد الماضي، حتى وجدت لها منفذا جادت به الظروف ولم يكن لهم حين برزت داعش غير خيار الدولة الإسلامية، والظمآن يحسب السراب ماء.
حركات الإرهاب قد تنجح باستقطاب أفراد، وخديعة وإيهام المئات وتجنيدهم، ولكن حينما تجند هذه الحركة عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف توفر مستلزماتهم وتديرهم وتقاوم حكومات وجيوشا بأسلحة ثقيلة وحديثة برا وجوا، وتحكم الملايين تدبر شؤونهم وتسير حياتهم تكون حركات فكرية لها جذور وحواضن، لا تجتث إلا بالفكر والثقافة، وقد تستطيع الدول العربية التخلص من داعش بمساعدة الدول العظمى والدول الإقليمية إيران وتركيا طوعا وكرها، وهذا ما نتوقعه، ولكن لن تستطيع وقف العنف في ظل سلب الحقوق والحريات، وغياب العقل وثقافة السلم الاجتماعي، وتوعية الشعوب والأجيال الصاعدة أن المطالبة بالحقوق واستردادها بالمعروف سلما أولى من الشدة والجهر بالمنكر، وأجدى وأفضل عند الله والعباد من العنف المفرط الذي ينتهك إنسانية الإنسان وحرماته ومقدساته، وفشلت كل الحلول الأمنية والعسكرية فشلا ذريعا في القضاء على العنف بدل المرة مرات، وأفضل وسيلة لوقف العنف اليوم أن تكف الدول الكبرى عن التدخل في شؤون الدول الصغيرة، وأن تنحني أجهزة الدول الدكتاتورية الفاسدة أمام شعوبها بالحسنى وتعالج أخطاءها  قبل أن تكسر وتقتلع، وتصطلح الحكومات مع شعوبها بالعمل وليس بالقول، وعندها يدخل الناس بالسلم كافة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية