العدد 2454
السبت 04 يوليو 2015
banner
فجيعة المسلمين بأنفسهم ومساجدهم د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
السبت 04 يوليو 2015

أي خطب أشد مما هم فيه، حين يخربون بيوت الله، ويستحل المسلم دم أخيه وماله وعرضه، وأية مصيبة اكبر من مصيبة المسلم في دينه، وأن يصبح منحى همه المال ومبلغ علمه السلطة والشهرة؟ وكيف آل بنا المآل إلى ما نحن فيه من محن لا تبقي ولا تذر، والله ما كان هذا دأب المسلمين ولا شأنهم، فكيف عبث الفاسدون منا بالصالحين والمارقون بالمتقين؟ ولمصلحة من نقتتل بيننا وعدونا يتفرج ويتشفى، وهل في القرآن الكريم ما يشير إلى إسلام سني وآخر شيعي؟ ألا يتحمل علماؤنا وخطباؤنا وأئمتنا الوزر قبل غيرهم من العالمين؟ وهل كان للناس أن يختلفوا ويختصموا لولا اختلاف أئمتهم؟ ألم يحذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بحديث شريف: “إنَّ بين الساعة فتنًا كقِطع الليل المظلم يُصبح الرَّجل فيها مؤمنًا ويُمسي كافرًا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرًا، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائِم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من السَّاعي”.
لقد جاء قوله تعالى في سورة الأنبياء “إِنَّ هَ?ذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ”. وأكد في سورة المؤمنون “وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ”، فديننا دين واحد، كما بينت شريعتنا لنا، وإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: “نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد”، يجمعنا التوحيد وعبادة للّه وحده ولو بشرائع متنوعة لرسله، كما جاء في سورة المائدة: “لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا”، فمهما اختلفت الملل والطوائف توحد بينهم عبادة الله. فما بال المسلم يتعامل مع أخيه المسلم بعنف وغلظة كما لو كان كافرا أو مجرما؟ والله تعالى يقول في سورة القلم: “أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ”، كيف يقتل المسلم أخاه المسلم وهو ساجد يصلي لله. هل نسينا أن المسلم اقرب ما يكون إلى الله وهو ساجد لربه، وهل شققنا عن قلوب المصلين حتى نكفرهم ونستحل دماءهم، هل صلح أمر الناس جميعا ولم يبق من أهل السوء الفاسدين الفاسقين أحد، لنتعمد قتل المصلين في المساجد بالشبهة؟ مالكم كيف تعقلون؟ فمتى نفيق ونعرف ما نرتكبه من جرائم كبيرة هي الفتنة العمياء ومتى نلبي دعوة الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ”
من الخاسر ومن الرابح حينما تعتدي طائفة من المسلمين على طائفة أخرى؟ تضطهدهم أو تقتلهم أو تختطفهم أو تهجرهم وتفجر مساجدهم؟ ماذا أبقينا لأعدائنا الذين يتربصون بنا ويخططون لنا في السر والعلن؟ أعوضا من السعي لتحرير القدس وافتكاكها من أيدي العصابات الصهيونية اللقيطة نقتتل بيننا، وبدلا من أن نجتهد بتحرير أراضينا التي يحتفظ بها الاستعمار الإسباني في سبتة ومليليا المغربيتين نقسم أوطاننا لتضعف قوتنا ويوهن عودنا، وبدلا من استرجاع الجزر الإماراتية المختطفة من الفرس الإيرانيين وتحرير الأهواز العربية من سطوتهم، يبيت بعضنا لبعض ويكيد فريق لآخر، ونمنح خصومنا الفرصة والوقت لتغير المعالم والسكان وطبيعة الأرض وما عليها؟ وما الذي أصابنا لنستبدل الضعف بالقوة، والإثم بالعزة، والانتقام بالسماحة والعفو؟ والفرقة بالوحدة؟ ألم نتعظ بتقسيم السودان لنقسم اليمن والعراق وسوريا، حتى الضفة الشرقية من فلسطين قبل تحريرها قسمناها إلى غزة ورام الله!
هل نحن أمة بلا جذور بلا تاريخ بلا هوية بلا ثوابت ليحصل ما يحصل بين دولنا وشعوبنا من صراع واقتتال؟ هل في الكون أمة يجمعها ما يجمعنا؟ العقيدة، واللغة، والوطن، والتاريخ، والمصالح المشتركة، والثقافة والأدب والقيم؟ وهل لأمة في الكون ما لنا من الأمجاد والتراث والمآثر والآثار؟ وهل لأمة ثروات طبيعية ومواقع استراتيجية ووحدة جغرافية واقتصاد تكاملي كما لدينا؟ كم كنا نتمنى لو استفدنا من تجارب امتنا وتاريخنا وتجنب المنزلق الذي نحن فيه ولم نفرط بالثوابت والأسس.
أين نحن من أمثالنا العربية التي اعتدنا رضاعتها من صدور أمهاتنا، ونشأنا عليها “عمر الدم ما يبقى مية” كيف تحول الدم إلى ارخص من الماء على يد جيلنا، نقتل بالعشرات والمئات ليس بنيران صديقة فحسب، بل بنيران الأشقاء وسلاحهم! “أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب” كيف نزعنا عباءة الأخوة ونزعنا عصبة العمومة وتركنا الغريب يدخل ديارنا ويتحكم بنا ويستأثر بخيراتنا، “أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح” وها نحن نسير إليها بغير سلاح يشد أزرنا، “عمر الظفر ما يطلع من اللحم”، كيف قطعنا أرحامنا ومزقنا أشلاء أوصالنا، فلا حولا ولا قوة إلا بالله هو حسبنا ونعم الوكيل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية