العدد 2450
الثلاثاء 30 يونيو 2015
banner
داعش... وألف علامة استفهام (6) د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الثلاثاء 30 يونيو 2015

عجيب غريب هذا الذي يجري على يد داعش ويحصد عامة المسلمين والعرب السنة نتائجه المخيبة للآمال والتوقعات، ما تقوم به داعش، تحركاتها، سياساتها، أفعالها، خياراتها، يضع المحللين في دائرة التوقعات والاجتهاد، وليس في دائرة اليقين والترجيح، فليس من السهل فك التناقضات التي تُرى وتُروى عن داعش للبت في من تكون؟ ومتى نشأت؟ وكيف وأين، ومن يقف وراءها؟ ولماذا كل هذا التطرف والعنف، في الوقت الذي ينتظر من منظمة دينية عقائدية الرحمة والتسامح والعفو عند المقدرة، وضرب مثال حسن لتكون قدوة وأسوة لكل متبع سواء أكان مسلما أم غير مسلم.
لداعش يشهد الأعداء قبل الأصدقاء أن التضحيات التي يقدمها الدواعش في المنازلة والقتال قل مثيلها، وقدرة غير اعتيادية على تحمل المصاعب والأهوال، يضحون بشجاعة منقطعة النظير، إرادتهم من حديد وصمودهم لا يقهر، يكبّرون ويسبحون وهم في عيون الموت، فمتى اكتسبوا هذه الشجاعة التي أبهرت العالم؟ ومن أجل من؟ وهل يمكن أن يأتي كل هذا البذل والفداء من فراغ؟ وكيف يفكر الدواعش وليس فيهم من هو بمنأى عن الموت في أية لحظة، فمن أين لهم رباطة الجأش في ظل هذا المصير المجهول؟ وما الذي يمكن أن يدفع الإنسان المرفه المثقف قبل الشقي الجائع إلى قدر محتوم يحمل فيه روحه على راحته لو لم يكن يمتلك الإيمان بقضيته، وما هي هذه القضية؟ ومثل هؤلاء يمكن أن يكونوا مخترقين، لكنهم لا يمكن أن يكونوا عملاء ولا جواسيس يُباعون ويُشترون.
وإذا كانت شجاعة الدواعش تحيرك فمواقف داعش وأساليبها الممجوجة محبطة لنفوس المؤيدين والمعارضين على السواء، بل وتثير الشفقة مثلما تثير الاستغراب والتعجب، إلى الدرجة التي يمكن أن تُصور فيها داعش ضحية هي الأخرى كما يبدو لممعن النظر والتفكير، فإيغالها في العنف والتشدد والتطرف الذي تمارسه وتنتهجه بحق الآخرين لا يفسر في ظل الالتزام العقائدي الذي تبديه، ولا يعلل إلا بردود فعل انفعالية وحصيلة ضغوط نفسية ومعاناة جماعية قاسية، داعش حركة مأزومة استقطبت بشعاراتها الدينية الكثير من شباب العرب والمسلمين والأجانب؟ فلماذا تجد دعوة داعش في نفوس هؤلاء الاستجابة والتلبية وتستمر بالتمدد والاتساع رغم ما تتكبد من ضحايا بشرية بمواجهتها للتحالف الدولي لو لم تكن البيئة والظروف المحلية والدولية مهيأة لذلك؟
داعش نتيجة مؤلمة وليست سببا، هي وليدة تراكم القمع والقهر الذي ولد الانفجار، وضحية من ضحايا السياسات الدولية الظالمة الواقعة على العرب والمسلمين ودول العالم الثالث في كل بقاع الأرض، والدواعش ضحية العنف المفرط الذي ترتكبه إسرائيل بدعم وتغطية الدول الكبرى التي تمارس عنفا ناعما هي الأخرى، تلتف فيه على مقدرات الشعوب بمجلس الأمن والمحافل الدولية، داعش نتاج التجبر والقهر والتعسف الذي تمارسه الأنظمة الجائرة بحق شعوبها، ورد فعل لتخاذل زعماء باعوا أوطانهم واستعبدوا شعوبهم وتمترسوا بشرعية مزيفة وقوى أمنية ظلامية الأسد والقذافي وصالح وحسني مبارك والبشير وبوتفليقة، ومن سبقهم والقائمة طويلة، ورأينا ردة فعل الشعوب في ثورات الربيع العربي ومن ثم كيف انقلب مسار الثورات بفعل الأنظمة العميقة التي تمكنت في الأرض تحت أغطية متعددة وتآمر دولي مكشوف قضى على الآمال والطموحات؟ فما يجري في العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان ليس بعيدا ولا بمعزل عما تحركه الأيادي الخبيثة تحت ستار الصمت والتعتيم الدولي؟
العجيب أن العالم لا يريد الاعتراف بالحقيقة المرة التي أنجبت داعش ويتحمل مسؤولية هذا التشدد والتطرف الذي تمارسه داعش بوعي منها أو بغير وعي. ويسعى إلى معالجتها بالطرق السلمية، حتى التحالف الدولي الواسع ضد داعش لم يقدم غير العنف وسيلة للتصدي، فليس هناك دولة واحدة لا تؤيد إعلان الحرب على داعش، ولم يفطنوا أن عزلة داعش تزيدها وحشية واندفاعا نحو مزيد من الشراسة في سفك الدماء وأكل لحوم البشر، ويدفع بالمزيد من الشباب إلى خيار الانضمام إلى داعش شفقة عليها من قسوة التحالف الدولي غير الرشيد، وإشاحته عن البحث في سبل إنسانية وقائية وعلاجية تجر داعش نحو السلم الاجتماعي وتجنبها الإيغال في ارتكاب مزيد من الأهوال والكوارث بحق الإنسانية. فهل عجز العالم عن تقديم حلول أخرى غير خيار العنف والحلول الأمنية والعسكرية رغم اعترافهم بفشلها؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .