العدد 2355
الجمعة 27 مارس 2015
banner
كيف يقرأ الآباء أزواج الأبناء د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الجمعة 27 مارس 2015

لنا في قصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل وزوجتيه عظة وموعظة، وقد رواها المحدثون وذكر بعض تفاصيلها القرآن الكريم لتكون عبرة لمن اعتبر من الأبناء، أزواجا وزوجات، فمن حق الآباء على الأبناء أن يسمعوا لهم ويتفكروا ويتدبروا، فبعد أن ترك إبراهيم زوجته هاجر وولده منها إسماعيل في مكة ورجع إلى الشام حيث زوجته سارة، كتب لإبراهيم أن يرجع إليها بعد حين وتقدم به العمر، وأحب أن يتعرف إلى حال ابنه، فبعد أن توفيت أم إسماعيل هاجر رأت قبيلة جرهم التي أنست فيه رجولة وشهامة أن يتزوج منها امرأة تدعى عمارة.
عاد إبراهيم يتحسس اثر ابنه حتى أدرك داره وطرق الباب فخرجت عمارة ليسألها من تكون وأين زوجها فأخبرته خرج يتصيد ما نعتاش عليه، فسألها عن أحوالهما ومعيشتهما فاستطردت: إنهما في شر حال، يعيشان في ضيق وشدة وضنك، فأدرك ما وراء كلامها من سوء خلقها وتشاؤمها وعسر صحبتها، فعز عليه أن يعيش فلذة كبده العمر مع امرأة نكداء لا تتفاءل بالخير ولا تحمد الله، دأبها سب الدهر والشكوى، فأوصاها سيدنا إبراهيم: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام، وأبلغيه نصيحتي له أن يغير عتبة بابه، وانصرف. عاد الزوج إسماعيل فأبلغته عمارة أن رجلاً عجوزاً غريبا سأل عنه ونصحه: أن يغير عتبة بابه فعرف أنه أبوه إبراهيم، وأنه غير راضٍ عن زوجته، وسيدنا إبراهيم خليل الرحمن، ومثله لا ينصح عن هوى ولا عن مكيدة، فقال لها: اذهبي إلى أهلك وطلقها، فما كان لأب أن ينصح ابنه إلا خيرا.
وكتب لإبراهيم أن يعود ثانية بعد سنوات ليطمئن على ابنه فوجده قد تزوج بأخرى تدعى “مضاض” فسألها عن الحال والأحوال كما فعل مع سابقتها، فقالت: نحن بخير وفي سعة من الرزق وكمال الصحة والحمد لله، طعامنا اللحم، وشرابنا الماء. فأوصاها: إذا جاء زوجك أقرئيه عني السلام ومُريه أن يثّبت عتبة بابه. فأخبرت زوجها بما أوصاها به الزائر الشيخ، فسرّ وقرت عينه وحرص على زوجته ابتغاء مرضاة والده، فمن شأن الزوجة الصالحة حفظ حق خصوصيتها، وسر بيتها، وحال زوجها، ومن أماني الأبوين أن يظفر ابنهما بذات الدين، يربح بها دينه ودنياه وآخرته، تعينه وتحفظ سره وماله، ولا تتكلم إلا بالحسنى، ويتجنب “خضراء الدمن” المرأة الحسناء في منبت السوء.
ومما يؤثر في الأحاديث النبوية الكريمة “لو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها” وقال سلام الله عليه “ألا خير ما يكنز المرء، المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته” والزوجة الكيسّة الفطنة تعظّم ما عظّم الله ورسوله، حتى “لا تنفق من مالها إلا بإذنه ناهيك عن ماله وحقه”، (وذلك من باب المشورة وليس التحكم) ولا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، ويرى الفقهاء: أن من حق الزوج منع زوجته من عيادة أبويها وشهود جنازتهما، وقال: طاعة زوجها أوجب عليها من أهلها إلا أن يأذن لها الزوج، وليس ثمة ما يقال في هذا تشددا بل تعزيزا لتماسك الأسرة وحرصا على مستقبلها، الزوجة الصالحة تعين زوجها على الحق وتدافع عنه وتحفظه في ماله وأسراره وعياله، ولا تخونه في شيء. فعلى نسائنا أن يتعظن ويعرفن حق الزوج المغلظ، ليس من باب الرق والاستعباد والتشدد، فهذه نظرة ضيقة، إنما من باب التضحية للزوج للحبيب وابتغاء السعادة بالرضا الذاتي، فالقناعة كنز لا يفنى.
بالحب والوفاء والطاعة والتضحية تأسر الزوجة زوجها وتكسب رضاه وحبه بالمعروف، ليكون بها رحيما رفيقا، ولها وفيا وصديقا، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ ومن عاقبة حال المرأتين يتضح ما ينبغي أن تكون عليه المرأة من القناعة والرضا بما ييسره الله لزوجها من الرزق بلا تبرم أو تضجر، فليس بالحب وحده وإن كان مهما وضروريا يحيا الإنسان، فكم من الأحبة تمزق شملهم بالعناد والمكابرة، وكم من الأزواج ألف بين قلوبهم حسن المعاشرة، وزوج في اليد خير من عشرة على الشجرة، وكلامنا يتجه نحو الزوجين بغض النظر عن جنسهما، والقوامة للرجل ضرورة من ضرورات القيادة، ولو جعلها الله للمرأة لبرز لنا من يحتج أيضا. وما دأب كل أب أن ينصح ابنه وابنته بالتريث في شأن الزواج والتثبت من حسن اختيار الشريك اتقاء سوء العاقبة، فالأب يقرأ مستقبل بنيه من واقع التجربة والأبناء يترسمون رؤى الأحلام وقيل شعرا:
“وإن تزوجت فكن حاذقاً.. واسأل عن الغصن وعن منبته.. واسأل عن الصهر وأحواله.. من جيرة وذي قربته”.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية