العدد 2329
الأحد 01 مارس 2015
banner
من هم الإرهابيون؟ د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الأحد 01 مارس 2015

يتخذ الأدباء والفنانون ولاسيما الصهاينة والموالون لهم في الغرب، قصة “شمشون الجبار” والفلسطينية دليلة التي وردت في الكتاب المقدس رمزا لمقاومة اليهود ضد الفلسطينيين القدامى قبل 2900 عام، ويوظفون دلالاتها بخبث ودهاء، يروجون لها بما يخدم مرامي الصهيونية المعاصرة، وانطلت كذبتهم على كثير من العرب فسايروهم حين اتخذوا شمشون الإرهابي القاتل رمزا للقوة، وعكسوا موقف دليلة لتصبح رمزا للغواية والحب الكاذب والخيانة بلا وعي منهم، وهي في الحقيقة رمز لولاء المرأة الفلسطينية لقومها، ونشرت شهيرة احمد على موقعها مقالة د. إبراهيم عباس “شمشون ودليلة... صناعة الأسطورة أو أسطرة السياسة” وهي مقالة رائعة بحق تستحق من القراء الاطلاع عليها، فحفزتني ودفعتني إلى كتابة مقالتي هذه.
يصور الإسرائيليون شمشون بطلا أسطوريا وملاكا بشر الله أمه العاقر بولادته وفق مروياتهم، وليعاقب الفلسطينيين ويخلص الإسرائيليين منهم بقوته الجسدية، فيتظاهر بحب فلسطينية، وفي الطريق لخطبتها هاجمه أسد فقتله بقوة الرب بلا سلاح، ثم عشش النحل في جثة الأسد ليصنع عسلاً، يأكله ويطعم والديه، وفي احتفال الخطوبة يلقي على 30 فلسطينيا حضروا لغزا ويعدهم بملابس جديدة مكافأة لهم إن حلوا اللغز خلال سبعة أيام ولكن الفلسطينيين لغبائهم لا يعرفونه، ويسلطون على شمشون حبيبته دليلة التي خدعته واحتالت عليه حتى عرفت منه الحل وأخبرت قومها، فيغضب، وليفي بوعده قتل 30 فلسطينيا، ومنح ملابسهم لمن حضر الحفل، وهكذا بالقتل يفي الإسرائيليون بنذورهم ووعودهم بلا حياء!
ثم اصطاد شمشون ثلاثمئة ثعلب وربط بأذنابها مشاعل لتركض خائفة وتحرق حقول الفلسطينيين انتقاما منهم، ويرحل إلى غزة فيقبض الفلسطينيون عليه ويقيدونه ويسجنوه لكنه يحطم البوابة ويحملها إلى الهضبة ويعتصم بكهف، ولما لحق به جيش الفلسطينيين قتل ألفا منهم بفك حمار! ثم يحاول ثانية الزواج من دليلة الفلسطينية، التي خدعته واحتالت عليه وعرفت سر قوته في طول شعره فطلبت من قومها حلق شعره وهو نائم في حجرها، فيقبضون عليه ويفقأون عينيه ويسجنونه في قبو تحت معبدهم يطحن الشعير، لتنتهي الأسطورة عند مشهد احتفال الفلسطينيين بمعبد الإله داجون شكرا لمساعدته في القبض على شمشون. وخلال فترة السجن نما شعره وطال فاسترجع قوته، وتعرف من الخادم على أعمدة المعبد الرئيسية الوسطى، فدفع احدهما بيمينه والثاني بيساره، هاتفا “علي وعلى أعدائي يا رب” فانهار المعبد وقتل ثلاثة آلاف فلسطيني كانوا يحتفلون فيه. وهكذا ينتقم شمشون للإسرائيليين ويغدو مثالاً للتضحية بنفسه من أجل قومه وليس انتحاريا، بطريقة لا يقبلها دين ولا تقرها شريعة.
ويرى الإسرائيليون وأصدقاؤهم الغربيون شمشون هبة الرب فيغفرون له جرائم القتل طالما هي في خدمة اليهود، وينسون القتل الجماعي إرهابا وجريمة إبادة، ويرون المرأة الفلسطينية التي أخلصت الولاء لقومها وجندت نفسها لخدمتهم، غانية خدعت زوجها شمشون، ويتانسون أنه نفسه أراد بزواجه منها الغدر بها وبأهلها الفلسطينيين، وأن الصهاينة هم من يبيح اليوم للمرأة استخدام الغواية والجنس إذا كان بهدف التجسس لصالح دولة إسرائيل، واعترفت ليفني وزيرة الخارجية بذلك، ويدين اليهود العمليات الانتحارية وينسون أن شمشون أول من قام بعملية انتحارية عرفها تاريخ البشرية ودونها واستهدفت تدمير المعابد على رؤوس من فيها، كأن ما يجري اليوم ويطلقون عليه إرهابا ليس تكرارا لما قام به شمشون اليهودي قبل آلاف السنين، ومازال الغربيون يرويجون له بآدابهم ورواياتهم وقصص أطفالهم وأعمالهم الفنية السينمائية والمسرحية، وأخرجت هوليوود القصة في القرن الماضي بثلاثة أعمال فنية تروج للصهيونية، ويعدون شمشون بطلا خالدا. فمن هم الإرهابيون؟ ومن علم العالم الإرهاب غيرهم؟
وعتبنا على كثير من العرب الذين لم يدركوا مغزى قصة شمشون الجبار ودليلة، ولم يتحروا الدقة وسايروا الصهاينة في كتاباتهم، فكثيرا ما صار شمشون الجبار رمزا لكل قوي ومارد نتمثل به، وأصبحت دليلة ظلما رمزا لخيانة الغواني، ولن نشغل أنفسنا بمدى صحة ما ورد بالأسطورة أو الخرافة، وإنما في كيفية توظيفها زورا لتأكيد حق اليهود بفلسطين بالباطل واستغفال عقول الغربيين وكسب عواطفهم باسم الرب وهباته، حتى لو حرفوا التوراة، فالحفريات اليهودية الحديثة أكدت أن المعبد المقصود لم يكن بغزة، وأنه لم ينهر بفعل قوة شمشون، وإنما بقوة زلزال دمر المنطقة، ألا ساء ما يفترون.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية