العدد 2294
الأحد 25 يناير 2015
banner
النظر إلى الإرهاب من ثقب الباب د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الأحد 25 يناير 2015

بالرغم من كل هذه الضجة الإعلامية والتحالفات الدولية والمؤتمرات القائمة على قدم وساق تحت غطاء محاربة الإرهاب، لم يزل مفهوم الإرهاب عالميا لم يحدد، وبقي رغم طول عهدنا به فضفاضا غامضا يتسع ويضيق وفق الأهواء والغايات الدفينة التي ترتكب وتبرر تحت مظلته، وليس صحيحا أن الإرهاب أكبر من أن يعرف، إلى الدرجة التي أضحى بها حده مستحيلا تُستعصى الإحاطة بأبعاده، وإنما الغاية من بقائه هكذا مشوشا ملتبسا يمهد للهوامير من الدول العظمى المتنفذة الاحتفاظ بالإرهاب تهمة جاهزة بأيديهم، يستثمر كيفما يشاءون وحسب المزاج، وبالنظر بعين واحدة من خلال ثقب الباب. فيرون التطرف والعنف الديني هنا غير التطرف والعنف الديني هناك، هذا مباح وذاك محرم، حتى ليحار المرء كيف يكيلون بمكيالين ولا يستحون؟
الكبار وحدهم بآلتهم الإعلامية والعسكرية لهم من الإرهاب ما لا يحل لغيرهم، فتحت شعار محاربة الإرهاب تجدهم يصولون ويجولون في كل مكان في العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان ومالي وأفغانستان يحتلون دولا ويسقطون أخرى ويختلقون الذرائع لشن حروب مقدسة وفق اعتباراتهم ضد من يخالفهم أو يحاول الحياد عن خارطة الطريق التي يرسمونها، وحين يكشر الإرهاب عن أنيابه ويكشف عورته يصمتون ويتغاضون عن فظائعه وفضائحه الجماعية طالما يخدم مصالحهم، ولا أدري ما الفرق بين إرهاب الدولة الإسلامية داعش وأنصار الله الحوثيين؟ ولا الفرق بين حزب الله والقاعدة؟ هم جميعا وفق المعايير الموضوعية مليشيات عنصرية وطائفية تتمترس بالعنف، تقتل وتهجر وتختطف وتعتقل بقوة السلاح جهارا نهارا فلماذا يقفون بالمرصاد بوجه هذا ويشيحون بأبصارهم وأسماعهم وجيوشهم عن زحف ذاك. هذا التمايز غير الموضوعي يفقد التحالف الغربي ضد الإرهاب مصداقيته ويثير الشكوك حول حملته غير المتوازنة والآثار السلبية للكيل بمكيالين مختلفين.
الدول العظمى لا تعرف الإرهاب إلا من خلال النظر بعين واحدة من ثقب الباب، فهي تصمت دائما وتتغافل عن غير المسلم إذا ارتكب عنفا غير مبرر وهجوما إرهابيا وتتغاضى عن جنسيته وقوميته وديانته ولا تبحث عن أصوله وفصوله، وتحفظ القضية وتعلل انحرافه مزاجيا وأبعادا نفسية تربوية ومرضا شخصيا عابرا للجاني، بينما تعمم حوادث العنف التي يرتكبها عربي على العرب والمسلمين عامة مهما كان الحادث فرديا أو معزولا، فذنوب مجرميهم مغفورة مهجورة وذنوب مجرمينا مشهورة منشورة.
النظر إلى الإرهاب من ثقب الباب، أباح للصهيوني نتنياهو توظيف الاعتداء على جريدة شارلي الفرنسية بطريقة عنصرية ضد المسلمين وشيطنة العرب لصالح الصهيونية العالمية، من دون مراعاة أن مرتكبي الحادث الإرهابي فرنسيون ولدوا وشبوا وكبروا في فرنسا، فلا يقال عنهم يحملون تناقضات الشعب الفرنسي لمجرد أن أصولهم عربية، يحق لإسرائيل من وجهة نظر الغرب خلط الدين بالسياسة وإعلان كيانهم اللقيط دويلة دينية ويحرم على غيرهم، الفرنسيون احترموا مشاعر الصهاينة لمقتل اليهود ولا يبالون بمشاعر المسلمين الذين قتل منهم شرطي وهو يدافع عن فرنسا، هم لم يحترموا مشاركة الرؤساء العرب في مسيرة فرنسا ضد الإرهاب ولا يعيرون وزنا لجرح مشاعرهم، ويحترمون عنصرية الصهاينة وتطرف نتنياهو وتشدده وإصراره على دفن اليهود الذين يحملون جنسية فرنسية في إسرائيل مع أنهم لم يزوروا إسرائيل ولا علاقة تربطهم بها، ولم يتحدث إعلامهم ولا صحفهم باللهجة التهكمية والهجومية عن التعصب الصهيوني والتشدد واستغلال المواقف الإنسانية لغايات عنصرية وسياسية تحريضية بحتة ولا يرون فيه تطرفا عنصريا بغيضا.
النظر من ثقب الباب سمح لدموع التماسيح أن تتساقط بغزارة لمقتل عشرة أشخاص أو أكثر بحادث فردي منعزل على جريدة أسبوعية اعتاد محرروها قذف الناس بالشتائم، وتسفيه معتقداتهم ومقدساتهم، ولم تسل لهم دمعة على آلاف الضحايا الذين يسقطون يوميا على مدى سنوات في الشرق الأوسط، ولا برؤية مأساة الفلسطينيين في غزة وسقوط آلاف الضحايا الأبرياء في كل عدوان إسرائيلي شرس وغاشم، وهكذا تتباين المفارقات ولا تستوي الوقفات في أية مقاربة إنسانية تحترم الدم البشري؟ بغض النظر عن لونه وجنسه.
النظر من ثقب الباب بعين واحدة يبيح لهم تصوير الاعتداء الفردي المعزول على الصحافة التي تشتم الناس وتسخر من مقدساتهم بأسلوب سافر رخيص، عدوانا على الحريات وتكميما للأفواه وعملا إرهابيا إجراميا، ولا يجدون في الاعتداء الجماعي على مساجد المسلمين ودور عبادتهم وحرقها وتفجيرها في فرنسا عدوانا أو إرهابا، فليس للمسلمين من وجهة نظرهم أي حق بأن تكون لهم دور عبادة مصانة، ولا نبي مقدس يحترم، وهكذا ينسى الغربيون تبعات تطرفهم ونتائج التمييز العنصري والعقدي الذي يمارسونه ضد شعوبنا وأنه مدعاة لإيقاد الفتنة ومدعاة لخطر العنف وتشجيع الإرهاب، فإلى متى يرموننا بدائهم؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .