العدد 2260
الإثنين 22 ديسمبر 2014
banner
باللغة القومية نعزز الاقتصاد الوطني د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الإثنين 22 ديسمبر 2014

مهما كان الاقتصاد عنصرا أساسيا ومهما في تعزيز كيان الدول والحكومات وتثبيت أركانها، وأنه الوجه المادي لحياة الشعوب وتقدمها، تبقى اللغة ثابتا أساسيا من أسس الوجود القومي بما تمثل من الجوانب الحضارية والمعنوية وأنها والوجه الثقافي والتاريخي والعقائدي للأمة، ولا يمكن أن تبنى الأوطان أو تنهض الأمم على جانب دون آخر، فاللغة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، في معيار الفكر وضروب النمو والتقدم، ولا توجد عملة بوجه واحد.
 هذا إذا أخذنا بالاعتبار أننا نفكر بوحي من لغتنا ونتكلم بوحي من أفكارنا، واقتصاد دولة بلا لغة تحفظ هوية وخصوصية الانتماء يظل اقتصادا هشا ضعيفا عرضة للانهيار يتأرجح ويهوي بسرعة، ولا يقوى على مقاومة الأزمات والمحن، فاللغة بأصواتها وتعابيرها معادل وجداني للصمود والثبات إمام كل انكسار يهدد الوطن ومن عليه. وإرادة كل تغيير نحو الأفضل والنهضة في حياة الأمم إن وجدت أول ما تبدأ ببعث الحياة في اللغة القومية والروح الوطنية، فهي أداة التفكير وآلة تفجير الإبداع بالتخيل والتمكن.
خطوة موفقة وقرار إيجابي اتخذه وزير الاقتصاد الإماراتي نتمنى أن يقتدي به جميع الوزراء بما فيهم وزراء الاقتصاد في سائر الدول العربية ودول الخليج العربي بشكل خاص، فقد ألزم وزير الاقتصاد الإماراتي القطاع التجاري والخدمي في دولة الإمارات المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية التابعة لوزارته بوجوب استخدام اللغة العربية في مراسلاتهم لاسيما في مراكز الاتصال وخدمة المتعاملين، وأمر بتعريب مستندات التحصيل والقوائم والكشوف، وحدد الأول من يناير 2015 المقبل موعدا لتنفيذ القرار، وفرض غرامات مادية على الدوائر غير الملتزمة بتنفيذه، وكان مجلس الوزراء قد اتخذ قرارا في العام 2008 دعا فيه جميع مؤسسات الدولة باعتماد اللغة العربية لغة رسمية في التخاطب والمراسلات، تعزيزا لثوابت الدولة وتأكيدا الانتماء والانتساب إلى الأمة العربية، وتمسكا بقيمها وعناصر وجودها وخلودها.
ودول مثل دول الخليج العربي تواجه وتجابه خطر التغيير الديموغرافي السكاني بفعل تضخم نسبة الأجانب المقيمين فيها للعمل قياسا إلى نسبة المواطنين، ولابد لها أن تسعى ولو بالتشريعات لدعم عناصر الانتماء والارتباط بالأمة العربية وتراثها وعلى رأس هذه العناصر اللغة العربية، لغة الدين والعقيدة التي أرسى دعائمها القرآن الكريم، وحتمية أن تكون اللغة القومية هي اللغة الرسمية التي تستخدم في المراسلات والتخاطب، وعدم الانزياح عنها إلى أي لغة أخرى ولأي سبب كان، فطغيان استخدام اللغة الإنجليزية على سبيل المثال في مؤسساتنا الرسمية وشبه الرسمية أتاح للأجانب لاسيما الآسيويين الذين يجيدون اللغة الإنجليزية أن ينافسوا المواطنين الشباب في التوظيف، وأن يحصلوا على الوظائف المهمة والرواتب العالية لتميزهم على المواطنين الذين يشكون من ضعف اللغة الأجنبية، وهو ما أدى إلى ارتفاع مستوى البطالة بين المواطنين، وتدني نوع الوظائف التي يشغلونها؛ بسبب العزوف عن استخدام اللغة العربية لغة قومية معتمدة في المخاطبات الرسمية.
 فمن الضروري أن تتبنى الدولة وأن يؤكد وزير العمل ووزير التجارة والصناعة ووزير الأشغال ضرورة استخدام اللغة العربية في المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية، وعدم السماح باستخدام لغة غيرها.
ولا ننسى أن إلزام المؤسسات كافة باستخدام اللغة العربية سيدفع من لا يجيدها من المقيمين إلى دراستها بمعاهد خاصة وهذا باب رزق آخر يفتح أمام المواطنين، وأن تخريج أفواج من الأجانب سنويا يجيدون اللغة العربية يعودون إلى بلادهم سيرفع رصيد عدد المتكلمين بالعربية خارج دولها، ويجعلها لغة عالمية، وسنجد الخليج يقدم للأمة أكبر خدمة قومية وعقائدية في مجال نشر لغة العروبة والإسلام، غير متناسين أن المسلمين من غير العرب يسعون لتعلم اللغة العربية كونها لغتهم الدينية التي يؤدون طقوسهم بها ومحفزين سلفا لتعلمها.
 ومن الخطل المعيب أن نستقدم الأجانب ويعيشون بيننا سنوات ولا يجدون أنفسهم قد تعلموا اللغة العربية، أو سعوا لتعلمها طالما لا تؤثر في مستوى توظيفهم وكسبهم. بل بالمقابل سنجد بعضا من المواطنين مضطرين إلى تعلم اللغات الأجنبية كالهندية والبنغالية والباكستانية وغيرها ليتخاطب مع عماله من غير العرب، لسنا ضد تعليم أبنائنا اللغات الأجنبية ولكن بعد إجادة لغتهم أولا. ولكننا ضد إهمال اللغة القومية وتهميشها لصالح اللغة الأجنبية إلى الدرجة التي تجعل الأبناء يعزفون عن إجادة لغتهم القومية والإحاطة بتراثهم ويشيحون عن استخدام لغتهم ويؤثرون عليها غيرها.
أملنا كبير في أن تتبنى الوزارات المعنية بالعمل والعمال، والثقافة والإعلام والتربية والتعليم في البحرين وسائر الدول العربية هذا الاتجاه القومي، الذي تقره دساتير هذه الدول وما نصت عليه بأن اللغة العربية لغة الدولة الرسمية الأولى، وفق سياسة تضمن للغة العربية خدمة الاقتصاد الوطني، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتأكيد الانتماء القومي، والحفاظ على هوية الخليج العربية الإسلامية حاضرا ومستقبلا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية