العدد 2178
الأربعاء 01 أكتوبر 2014
banner
الجرح الصومالي المفتوح والمنسي عربيا د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الأربعاء 01 أكتوبر 2014

جمهورية الصومال الديمقراطية، قطر عربي في القرن الأفريقي تحده جيبوتي من الشمال الغربي، وكينيا من الجنوب الغربي، وخليج عدن شمالا والمحيط الهندي شرقا، وأثيوبيا غربا. تتجاوز حدوده البحرية 3000 كم على المحيط الهادي، ومياهه إقليمية تمتد 200 ميل بحري داخل المحيط. تضاريسه غنية بالتنوع هضاب وسهول ومرتفعات، ومناخه حار صحراوي طول العام مع رياح موسمية وأمطار غير منتظمة. تبلغ مساحته 638 ألف كيلومتر مربع، ونفوسه نحو 12 مليون نسمة.
ترجح المصادر التاريخية المستندة إلى نقوش جدران الكهوف أن عمر الإنسان الصومالي يرقى إلى العصر الحجري قبل 9000 سنة قبل الميلاد، وهناك صور ونقوش لم يستطع علماء الآثار فك رموزها، ابتدأت علاقة الصومال بالمسلمين بميلاد الدين الجديد وهجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة فراراً من اضطهاد كفار قريش، فحطوا رحالهم بشمال غرب الصومال لدى نجاشي الحبشة، فمنحهم الحماية والأمن وأعطاهم حرية البقاء في بلاده، فبقي منهم من بقي في أنحاء القرن الأفريقي لنشر الدين الإسلامي الذي دخله الصوماليون تلقائيا بحكم اتصالهم بالجهة المقابلة لسواحل البحر الأحمر وتعاملهم مع أقرانهم التجار والبحارة والمعلمين المسلمين، وأقيمت الدويلات والمدن الإسلامية منها مقديشو التي عرفت بـ «مدينة الإسلام» واشتهرت الصومال قديما بأنها مركز تجاري يورد للعالم لبان المستكة والتوابل والبخور، وتحكمت زمنا بتجارة الذهب في شرق أفريقيا مستقطبة طرق التجارة، وفي العصور الوسطى برعت في الهندسة وبناء الحصون.
قاومت الصومال الاستعمار من 1529 - 1920 لكن القوات البريطانية استخدمت الطائرات لقصف «تاليج» عاصمة الدولة الدرويشية واستعمرت الصومال حتى 1941، حيث قسمت الصومال ثلاثة أقسام فرنسي وإيطالي وبريطاني، استقل الجزءان الإيطالي والبريطاني عام 1960 وكونا جمهورية الصومال المتحدة، تولى رئاستها اثنان من الرؤساء قبل أن يرأسها محمد سياد بري بانقلاب عسكري 1969 وأسس بنيتها التحتية كدولة، لكنه تبنى سياسة ماركسية وحكم البلاد بالعنف فألب عليه الشعب وحدثت مشاكل اقتصادية، وخاض حربا مع أثيوبيا لتحرير أجزاء محتلة، نجح أول الأمر ثم أخفق لتعاون الغرب مع أثيوبيا، فأطيح به عام 1991، وبفضل علاقات الصومال التاريخية بالعرب دخلت الصومال عضوا بجامعة الدول العربية منذ عام 1974، وهي من الدول المؤسسة للاتحاد الأفريقي، استقل الصومال الفرنسي 1977 بدولة جيبوتي وبقي أمل الصوماليين بوطن موحد حلما، وساندت الصومال المؤتمر الوطني بجنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري، ودعمت الثوار الإريتريين في حرب التحرير ضد إثيوبيا. والصومال عضو مؤسس بمنظمة المؤتمر الإسلامي، وعضو منظمة الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز.
الصومال التي قاومت المد الأحمر وتمسكت بدينها وعروبتها، تعرضت لإغراء إسرائيل ودسائسها وأطماع الدول المجاورة كينيا وأثيوبيا التي دخلت قواتها الصومال بمناسبات عدة بتأييد دول غربية كبرى أدت إلى إثارة حرب أهلية قبلية طاحنة تحولت فيما بعد إلى حرب آيديولوجية جهادية ضد تدخل الغرب الذي ظل ضد الصومال المسلم، ودعم أمراء الحرب وبعض الوزراء والتجار ورجال الأعمال من ذوي الاتجاهات العلمانية ضد التيار العروبي والإسلامي، مما اسهم بانشقاق حركة الشباب المجاهدين عن المحاكم الإسلامية 2006 وينظر لها علميا كحركة مسلحة متشددة، رفضت تحالف المحاكم الإسلامية بشخص شريف شيخ احمد بحكومة اتفاقية مدنية يشارك فيها العلمانيون، فاستمرت الحرب الداخلية التي أنهكت البلاد والعباد ووقودها العرب المسلمون. وقبل سنتين ضرب الجفاف الصومال بمقتل فواجه مجاعة قاسية، شحة أمطار، وندرة مياه، ونفاذ المواد الغذائية.
الصومال، اختار الانتماء إلى العروبة والإسلام، رغم انه محاط بدول غير إسلامية ولا عربية، ساند القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ملتزما بمقاطعة إسرائيل ومقاومة إغراءاتها المادية والعسكرية، حرم على مواطنيه زيارة إسرائيل بملاحظة صريحة مثبتة بجوازات السفر، وله علاقات عربية دبلوماسية وتجارية خصوصا اعتماد دول عربية على لحوم المواشي الصومالية، وكان من حقه على أشقائه العرب أن يحظى باهتمام ومتابعة شعبية ورسمية أقوى، ومساندة مادية ومعنوية أفضل، سعيا بالصلح، وأن تعد قضية الصومال قضية إسلامية عربية، بعد أن أصبحت الحرب بين الفصائل الإسلامية، لكن علاقتها بالعرب بقيت هامشية بعيدة عن اهتمامهم فقد أشاحوا بأنفسهم وتركوه لقدره وتعاملوا كدولة صديقة طيلة نصف قرن، وأخيرا تركوه لدول القارة الأفريقية التي لا تربطه بهم إلا الصلة الجغرافية، تختلف اللغات والديانات عن لغة الصوماليين وديانتهم، وبدلا من تدخل قوات عربية تحظى باحترامهم وتقديرهم لحفظ الأمن والاستقرار فليس بين الصوماليين اختلافات طائفية يخشى منها، ترك الصومال تحت رحمة القوات الأفريقية، كان على العرب بذل المزيد من الجهد لمساعدته في محنته وعدم تركه وحيدا بلا معين، فالشاعر يقول: «أخاك أخاك إن من لا أخا له، كساع إلى الهيجا بغير سلاح» وهو ما جرى في الصومال.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية