العدد 2162
الإثنين 15 سبتمبر 2014
banner
إلى متى يستمر نزف الدم يا ليبيا؟ د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الإثنين 15 سبتمبر 2014

تأسست المملكة الليبية المتحدة باستقلالها الكامل عن إيطاليا عام 1951 بالحكم وفق نظام الولايات الثلاث، طرابلس وبرقة وفزان، والعاصمة مدينتا طرابلس وبنغازي حتى 1963، ألغي النظام الاتحادي وأصبحت العاصمة مدينة البيضاء، وفي 1964 لم يحضر الملك إدريس مؤتمر القمة العربي بالقاهرة لأسباب صحية، فاندلعت بعدها مظاهرات طلابية موالية لعبدالناصر حول قصر الملك إدريس السنوسي بطرابلس. ووقعت مصادمات مع الشرطة، بعد سنوات قرر الملك الموجود في تركيا للاستشفاء التخلي عن العرش لكبر سنه إلى ولي عهده الأمير الحسن الرضا بوثيقة يبدأ مفعولها في 2 سبتمبر 1969، ولكن مجموعة من صغار ضباط الجيش بقيادة معمر القذافي قاموا بالانقلاب قبل يوم واحد من سريان الوثيقة وسيطروا على مقاليد الأمور، رغم تحذير الرئيس التونسي بورقيبة الملك الليبي قبل الانقلاب بأشهر، انتهت الملكية، وقامت الجمهورية العربية الليبية. على غرار الجمهورية العربية المتحدة، وكان القذافي معجبا بقيادة عبدالناصر ويترسم خطاه وصاحبه زمنا وبعد موته أراد أن يخلفه كزعيم على المستوى العربي ولم تكن له ذات المؤهلات الشخصية والقيادية، وفي كل مرة تنتكس فيها تحالفاته الوحدوية الآنية الثورية الهوجاء، يقترب أكثر من مرحلة الهوس الدكتاتوري الثوري.
كان مسمى ليبيا قبيل نجاح ثورة الربيع العربي، الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى. الجماهيرية نسبة إلى وثيقة إعلان سلطة الشعب 1977م بحسب ادعاء القذافي أن الشعب في نظامه بات يحكم نفسه بالمؤتمرات الشعبية الأساسية بلا وصاية، وترجم فلسفته بالكتاب الأخضر ثورة القذافي الثقافية، وابتدع تقويما شمسيا جديدا يبدأ من يوم وفاة النبي محمد بن عبدالله سنة 632م. وانقطاع الاتصال بين السماء والأرض، وبتسمية شهور جديدة بدل القديمة. وأضيفت العظمى بعد الغارة الأميركية على ليبيا في 1986م، باعتبار ليبيا تحدت دولا عظمى كما يرى القذافي بأحلامه وتخيلاته. بينما اتهمه الإعلام العالمي ودول كثيرة برعاية الإرهاب وتمويله ووقع بشر أعماله، “يا حافر البير لا تعمق مجاريها، خوفي الفلك يندار وأنت تقع فيها”.
عرفت ليبيا بثرواتها الطبيعية وشعبها الأبي، ليبيا عمر المختار رمز التضحية والصمود والشجاعة، عدد سكانها سبعة ملايين نسمة، ومساحتها نحو مليوني كيلومتر مربع، رابع أكبر بلد أفريقي، لها أطول ساحل مطل على البحر الأبيض المتوسط يقدر بألفي كيلومتر، وأكبر مدنها طرابلس وبنغازي وبرقة وفزان. ولها عاشر أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، وعرفت بصحرائها الواسعة، جزء من الصحراء الأفريقية الكبرى، غرب مصر، وشرق ليبيا، وشمال غرب السودان، تغطي منطقة 1000 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب و1100 كيلومتر من الشرق إلى الغرب، الصحراء الغربية الليبية ما بين سهل صخري “حمادة” أو بحر رمال غير مأهول، ومنخفضات منها القطارة، وفيها واحات كواحة سيوة مياهها الجوفية ترتبط بمجرى يغذي سيوة المصرية وواحة الفيوم، والجفرة، والكفرة التي تتغذى من النيل. وفيها جبال أكاكوس وحمامات مليتة ومناطق بركانية خامدة. وكانت ممراً لتجارة القوافل كتب عنها ابن بطوطة في كتاباته وسياحاته.
“ما كان العشم يا ليبيا!”، فمنذ اندلاع ثورة الربيع العربي في 17 فبراير 2011 ونجاحها بعد عشرة أشهر، انتهت بمقتل القذافي وقادته بمدينة سرت في 20 أكتوبر وسقوط الجماهيرية، ومازالت ليبيا تعيش حالة غير طبيعية، ومرحلة من الانفلات الأمني الشديد وتصفية حسابات بين فصائل الثوار من جهة، وبين ضباط العسكر القديم والثوار من جهة أخرى، وزاد تدخل رؤساء القبائل والأسر العريقة الطين بلة، فالتهب سعار التطاحن المميت بين الأشقاء الأعداء، وفي ليبيا اليوم حكومتان ومجلسان للنواب، وجيشان وداخل كل معسكر تدافع وصراع بين أطرافه ومواجهات بالسلاح وسقوط قتلى وجرحى بشكل يومي، حتى بات الناس يتمنون العودة إلى أيام القهر والتعسف وحكم القذافي الجائر. ومن يرى الموت يرضى بالحمى. فإلى متى يا ليبيا يستمر نزف دم الأخوة.
والسؤال الذي يشغل الذهن أين الجامعة العربية مما يجري في ليبيا اليوم، وهي التي سارعت إلى مناشدة المجتمع الدولي للتدخل وحماية الثورة، ورحبت بضربات حلف الناتو لمعسكرات الجيش الليبي وتدمير السلاح والمنشآت العسكرية والمدنية ومقومات البنية التحتية، فلماذا تصمت وتقف مكتوفة الأيدي تتفرج وهي ترى الشعب والثوار يقتل بعضهم بعضا إلى حد الإبادة؟ وما الذي تفكر به الجامعة العربية وتخطط له؟ “بعد خراب البصرة” ولماذا لم تحاول من منطلق الأخوة والحفاظ على الأمن القومي أن تتوسط للتوفيق بين الفرقاء بحيادية وشفافية؟ وماذا تنتظر؟ أم لم يعد يعنيها شأن ليبيا العربية! ولماذا أهمل المجتمع الدولي ليبيا بعد أن سعى في خرابها ولم يسهم في بنائها مباشرة؟ ما يجري في ليبيا يدمي قلوبنا، ويا عرب مات الضمير وسكن القبور، فابكوا عليه واحرقوا قطع البخور.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية