العدد 2356
السبت 28 مارس 2015
banner
اللعب في الفراغات محمود المبارك
محمود المبارك
كلام مفهوم
السبت 28 مارس 2015

يتحدث مدربو كرة القدم والمحللون الرياضيون عن الفراغات التي تخلق في الملعب للاستفادة منها في تحقيق هجمة ناجحة تثمر السيطرة على مجريات اللعب وتحقيق الأهداف. قمة هذه النظرية وذروتها تكون في الاستفادة من الهجمات المرتدة. هذه الهجمات التي تصنع أكبر فراغ ممكن تكون منه فرصة الوصول للمرمى والانفراد بالحارس وسلب الهدف منه بأقل مجهود.
كلمة الفراغ هي كلمة تحمل في معانيها كل المعاني السلبية الممكنة لكننا هنا نريد حصرها وضبطها في معنى معين وهو وجود ثغرة في منظومة العمل. هذه الثغرة، أو هذا الفراغ تحقق في الأنظمة السياسية لعدد من الدول العربية في مطلع 2011 وما بعد ذلك من الأحداث التي أهلكت الحرث والنسل، وفتحت المجال ظاهريا أمام المجاميع المتشددة من عصابات التطرف والإرهاب والتكفير والقتل. كل هذه العصابات لم تكن لتظهر وتلعب بمصائر الشعوب لو لم يتحقق الفراغ والخلخلة في البلدان التي تأثرت بهذه الأحداث من ليبيا إلى سوريا وغيرهما من بلداننا العربية.
وفي نظري الفراغ السياسي أو الاستراتيجي ليس بداية المشكلة ولا أساسها، فهو من علامات تجذر الداء واستفحاله. الأصل والسبب والعامل الأهم هو وجود فراغات في مجال الفكر لم تجد من يملأها حتى وقعت هذه البلدان بين حجري الرحى من إفراط وتفريط.
فما بين البحث عن الحلول في استنساخ تجارب الآخرين وبين طلب النجدة من كتب التاريخ وتحضير أرواح مؤسسي الدولة العباسية ومحاولة استدعاء وهج ديني - سياسي وقع المحذور. المحذور هو اتفاق المتطرف دينيا والمتطرف لا دينيا على تخلف المجتمع وفشله واستصغاره. الاتجاهان اللذان يقودان الوطن العربي للارتهان للخارج أولهما السعي لإقامة أنظمة موالية للأقطاب الكبرى في الصين وروسيا وأميركا كما فعلت الأحزاب السياسية في حقب العمل السري. أما ثانيهما فيقوم بذلك عبر فتح النافذة الأخرى للخارج للتدخل عبر خلق المبررات فترى هذه الأقطاب تدخل عبر مبرر الحرب على الإرهاب. هذا الفراغ الفكري دليل على فشل نخب المجتمع وقواه الناعمة في خلق تغيير منشود لا يضع هذه البلدان بين خياري العنب والناطور، وهنا لا يبقى سوى المتشددون الحمقى يمينا ويسارا يحاولون البحث في التاريخ والجغرافيا عن حلول لا تنفع إلا مصالح القوى الكبرى.
ها هي اليمن وسوريا والعراق وليبيا تعيش بين فراغ سياسي أو نظام هش، وها هي باقي الدول كلها تعيش القلق من هذا الفراغ ومن عدوى هذا الفراغ، ولكن للأسف أين الخطوات للتحصين من العدوى؟
وصدقا إن الحل لا يكمن في حرب هذه التوجهات الفكرية ولكن في طرح نموذج فكري يمكن أن يكون حصنا دون الغزو الفكري من الداخل أو الخارج.
بلداننا تبحث عن الكثير من الحلول التي تمكنها من خلق الاستقرار واستدامته، وللأسف الكثير منها جاء متأخرا. الدعوة إلى التسامح ونبذ فكر التطرف يقتضي ضرورة إلغاء الكثير من الجهود التي بذلها المنتفعون سابقا من إذكاء الطائفية. الدعم الاقتصادي وتكامل الاقتصاد وتوجيه الأموال إلى العواصم العربية عبر عمل المشاريع لم يكن ضرورة اليوم فحسب بل أمس وقبله، الاتفاقيات التجارية والعسكرية ليست حاجة وليدة اليوم.
سائل قد يقول لم التركيز على الدول العربية في أزمات تصب على كل الدول الإسلامية، والرد هو أن كل الدول الإسلامية من غير أمة يعرب قد شقت طريقها لإيجاد الحلول والقضاء على الفراغات للاعتماد على ذواتها، فمتى سيأتي دورنا لنتلمس ذاتنا تلمسا جديدا يقال بعده إن أمة اقرأ هي أمة كانت ومازالت وستظل تقرأ.

آخر الوحي:
كونوا كرقراق بمدرجة.. الحصى يتسرب - تأتي الصخور طريقه.. فيجوزهن ويذهب - وخذوا وجوه السانحات.. من الظروف فقلبوا.
الجواهري

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية