+A
A-

الزيارة الملكية... نهج ثابت في إرساء قواعد متينة لتوطيد العلاقات

المنامة - بنا : جاءت زيارة عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة للمملكة المتحدة لتؤكد نهج القيادة الثابت في إرساء قواعد متينة لتوطيد علاقاتها بدول العالم كافة، لاسيما منها تلك التي تحظى بثقل سياسي واقتصادي معتبر بين دول العالم المتحضر، وترتبط مع مملكة البحرين، أرضا وحكومة وشعبا، بعلاقات تاريخية عميقة ووشائج قوية أساسها الاحترام والثقة المتبادلة.
وواقع الأمر أن الزيارة السامية للمملكة المتحدة ولقاءات العاهل المكثفة ومباحثاته الموسعة بكبار المسؤولين هناك، خصوصا الملكة إليزابيث الثانية ورئيسة الوزراء البريطانية وعدد من النواب، تعكس أهمية العلاقات المتينة والممتدة بين كل من المملكتين، والتي تميزت في الحقيقة طوال تاريخها وحتى الآن بمزايا عدة:
أولها: عراقتها، خاصة أن هذه العلاقات تعود إلى أكثر من 400 عام، وبالتحديد منذ تأسيس شركة الهند الشرقية العام 1616، وكانت أول معاهدة صداقة وقعها البلدان العام 1816، وقد احتفلت المملكتان خلال هذا العام بمرور 200 عام على العلاقات بينهما، وأقيمت احتفاليات كبيرة احتفاء بهذه الذكرى.
ثانيها: المعاهدات والاتفاقات العديدة والوطيدة التي تربط المملكتين، ويتم تحديثها والنظر فيها باستمرار لترسيخ العلاقات الثنائية وتطويرها، وكان أحدث هذه المعاهدات: اتفاقية التعاون الدفاعي التي ستفتح آفاقا جديدة من التعاون البيني، وتعد امتدادا لاتفاق التعاون؛ لتعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعليم والتعاون العلمي والتقني والتدريب المشترك للقوات العسكرية الموقع في 11 أكتوبر 2012.
ثالثها: الألفة والمودة الكبيرة التي تجمع بين الشعبين البحريني والبريطاني، حيث تعيش بالبحرين جالية بريطانية كبيرة تزيد عن 10 آلاف شخص، وتعد أكبر جالية أوروبية في المملكة، ووفقا لتقارير احتلت هذه الجالية المركز الأول في دول مجلس التعاون الخليجي والرابع في العالم، ولطالما أكدت هذه الجالية أنها لا تشعر بالغربة في البحرين، وأنها مرحب بها دائمًا، ويسهم المواطنون البريطانيون المقيمون في البحرين بفاعلية في شتى القطاعات الحيوية، وقد امتلأت قلوبهم بحب المملكة حتى أن من عادوا منهم لبلادهم أسسوا جمعية الصداقة البحرينية ـ البريطانية، وأصبحوا من أبرز المدافعين عن المملكة وقضاياها العادلة في بلادهم.
على الجانب الآخر، هناك أكثر من ألفي بحريني يتلقون تعليمهم في بريطانيا، وهناك من يمتلك بيوتا فيها، ومن يؤسس له شركات، وخلال العام 2014 وحده تم إصدار أكثر من 11.000 تأشيرة بريطانية للبحرينيين ونحو 1000 تأشيرة للطلبة.
رابعها: تشعب العلاقات بين البلدين في جميع المجالات نتيجة الميراث الثرى من التفاعلات والمصالح الإستراتيجية التي تجمع بين المملكتين، وهو ما جعلهما يوليان اهتماما كبيرا للتنسيق المنتظم والمتوازن فيما بينهما، واتضح هذا جليا في الزيارة الملكية الأخيرة، حيث بدا حرص قادة البلدين على الاتصالات المستمرة وتبادل الزيارات والاجتماعات والاتصالات الهاتفية؛ وذلك لتحقيق مزيد من التشاور في كل ما يتعلق بشؤون المنطقة، فضلا عن التعاون الثنائي المشترك.
ورأت العديد من الأوساط السياسية والاقتصادية أن النتائج المتحققة من الزيارة الملكية لبريطانيا فاقت بكثير المتوقع منها، وذلك بالنظر إلى عاملين، الأول: التفاهمات بين البلدين حول القضايا المختلفة المحلية منها والإقليمية والدولية، خصوصا أن المملكة المتحدة من أهم الدول الداعمة للبحرين، وأكدت أكثر من مرة على دعم خطواتها لتعزيز أمنها واستقرارها، مؤكدة حقها في اتخاذ ما تراه من إجراءات للدفاع عن نفسها ضد الإرهاب والتدخلات الخارجية.
العامل الثاني: الاتفاقات التي تربط البلدين في مختلف المجالات، ويتوقع زيادتها وتفعيلها إثر الزيارة السامية، ومن هذه الاتفاقات: اتفاق تشجيع الاستثمارات المحمية العام 2006، واتفاقية تعاون بين سوق البحرين للأوراق المالية وسوق لندن في 13 يونيو 2007، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي الناتج عن النقل الجوي، واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار في 30 أكتوبر 1991، واتفاق وزارتي تجارة البلدين لتكثيف العمل المشترك في المجالات الاقتصادية والتجارية وتبادل الزيارات، واتفاقية الخدمات الجوية في 29 أبريل 1998؛ من أجل تسهيل التعاون التجاري والسياحي.
وهنا يشار إلى أن الدوائر البريطانية الرسمية والشعبية تضع مملكة البحرين كنموذج يحتذى في الإصلاح والحكم الديمقراطي، حسبما أكد ذلك عدد من النواب الذين التقاهم العاهل خلال زيارته، حيث تتوالى الإشادات البريطانية بمشروع الإصلاح والتطورات الديمقراطية التي تشهدها البلاد منذ تولى جلالة الملك الحكم، كما حظي التقدم الذي تحقق في مجالات حقوق الإنسان وحصول المرأة على حقوقها السياسية وحرية الرأي والصحافة وإفساح المجال لقيام مجتمع مدني مؤثر وفاعل بتأييد بريطاني واسع؛ كونها خطوات جبارة جعلت البحرين من أبرز الديمقراطيات الواعدة في المنطقة.
كما تنظر مملكة البحرين لبريطانيا، مثلما عبرت عن ذلك تصريحات العاهل خلال لقاءاته المسؤولين بلندن؛ بوصفها من القوى العظمى في العالم التي يمكنها أن تضطلع بدور بارز في التأثير على قضايا وتفاعلات المنطقة والعالم؛ وذلك لأنها إحدى الدول الأعضاء الخمسة دائمي العضوية في مجلس الأمن، وعضو فاعل في مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، وهناك العديد من القضايا الآن في المنطقة تستدعي اللقاءات المستمرة والتعاون المشترك بين البلدين.
وتتوج الزيارة الملكية لبريطانيا تاريخ طويل من التفاعلات الثنائية بين المملكتين، حيث يمكن القول إن العديد من مظاهر التعاون الدائم والمستمر بين البلدين مستمرة ومازالت قائمة إلى الآن، فعلى الجانب الاقتصادي: تعتبر بريطانيا الشريك التجاري الثالث للبحرين، ويبلغ حجم التجارة بينهما نحو مليار جنيه إسترليني، ويوجد ما يقرب من مئتي وكالة تجارية بريطانية مسجلة حاليا في البحرين، إضافة إلى 32 شركة تعمل في المجالات الاقتصادية و19 شركة في مجال التأمين و50 شركة مشتركة، فضلا عن المشاريع الاستثمارية، ومن الممكن تحقيق المزيد، لاسيما بعد تصريحات العاهل بهذا الشأن، ولقاءاته التي استهدفت فتح مزيد من آفاق التعاون المشترك.
يذكر أنه في ديسمبر 1998 تأسست جمعية رجال الأعمال البحرينيين البريطانيين؛ بهدف الترويج للبحرين كمركز للأعمال في بريطانيا وتقوية العلاقات بين رجال الأعمال البريطانيين المقيمين في البحرين ونظرائهم البحرينيين. كما يعتبر منتدى الأعمال البريطاني البحريني أحد المؤسسات الأهلية المهمة التي تساهم في توطيد العلاقات بين البلدين، وهو عبارة عن شبكة نشطة تضم أكثر من 450 من كبار رجال الأعمال والمديرين من البلدين.
كذلك، فإن المجال العسكري والأمني بين البلدين يحظى بتعاون وثيق، حيث تتواصل الزيارات المتبادلة بين المسؤولين، ويجرى عقد اجتماعات دورية للجنة المشتركة للتعاون العسكري؛ بهدف تزويد قوة دفاع البحرين بما تحتاجه من متطلبات تعزيزا لقدراتها وزيادة التمرينات المشتركة والاستفادة من الخبرات التي تساهم في رفع المستوى التدريبي والقتالي.
كما وقع البلدان مذكرة تفاهم للتعاون الأمني العام 2005، تتضمن التنسيق في مختلف المجالات بما فيها مكافحة الجرائم الدولية، وغسل الأموال، ومنع تمويل الإرهاب، ومكافحة الإتجار غير المشروع بالأفراد والمخدرات، كما تم تشكيل لجنة أمنية مختصة العام 2010 بهدف تعزيز التعاون المشترك.
وفي مجال التعليم هناك العديد من أوجه التعاون كان آخرها يوم 13/10/2016 بإبرام مذكرة تفاهم بين جامعة البحرين وجامعة بولتون البريطانية، كما عقد في مارس الماضي مؤتمر الجامعات الذي حضرته 14 جامعة، فضلا عن التعاون بين وزارة التربية والتعليم والمجلس البريطاني في مجال الاعتماد الأكاديمي لمؤسسات التعليم العام 2008، كما استعانت الوزارة العام 2009 بالخبرات البريطانية لإعداد سياسة تفصيلية خاصة بالتعليم العالي تنسجم مع الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين 2030.
وكذلك الأمر في مجال النقل، حيث استعانت البحرين بالخبرات البريطانية في مشروع المطار، وهناك شراكة لتطوير حافلات النقل البري الجديدة في المملكة.
إن هذا التعاون الكثيف بين البلدين في جميع المجالات وتلك الصداقة المتينة التي توطدت بين حكومتي وشعبي البحرين وبريطانيا، والتي توجتها الزيارة السامية، تدفع باتجاه مزيد من التعاون في المستقبل، خصوصا أن زيارة العاهل للمملكة المتحدة ومباحثاته الموسعة مع المسؤولين هناك تؤكد الرغبة المتبادلة وحرص قيادة البلدين في تدعيم العلاقات الثنائية والوصول بها إلى آفاق أوسع من العمل المشترك؛ تحقيقًا للمصالح العليا للبلدين، ولخدمة مواطني الشعبين الكريمين.