+A
A-

عملات الاقتصادات الصاعدة تستفيد من نمو الاقتصاد العالمي

العربية.نت: قفز مؤشر بنك “جي بي مورغان” لعملات الأسواق الناشئة منذ بداية العام وحتى الآن بنحو 5.8 %، وقاد الريال البرازيلي والراند الجنوب إفريقي هذا التقدم، مستفيدين من الوتيرة الهادئة لنمو الاقتصاد الدولي، في ظل غياب تهديدات بارتفاع عنيف في أسعار الفائدة الأميركية، إضافة إلى تصويت الناخب البريطاني لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وما استتبع ذلك من قرارات اقتصادية من بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) تضمنت خفضاً لسعر الفائدة وتبني سياسة تيسير كمي، ما مثل داعما للاقتصادات الناشئة، في ظل التدني الشديد لعائد سندات الخزانة في الاقتصادات الرأسمالية عالية التطور، ليشجع ذلك المستثمرين على التوجه إلى الاستثمارات ذات المخاطرة العالية والربحية المرتفعة للغاية.
وينمو الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن بوتيرة معتدلة، إلا أن تلك الوتيرة لا تنعكس على جميع القوى الاقتصادية الدولية بالدرجة ذاتها، إذ تبدو سوق عملات الاقتصادات الصاعدة أحد أكبر الرابحين من هذا النمو المعتدل، بعد أن حققت أعلى معدلات سعر صرف لها في مواجهة الدولار الأميركي.
وأوضح ستيورت جينس من مجموعة الاستثمار المباشر الدولية، لصحيفة “الاقتصادية”، أنه مقارنة بالعام الماضي فإن عملات الاقتصادات الناشئة في وضع أفضل كثيرا، ففي 2015 كان أداء عملات الاقتصادات الناشئة ضعيفا للغاية بسبب الدولار الذي بدا كأنه العملة الوحيدة التي تحظى بقبول الجميع، كما أن أسعار النفط تراجعت بشدة، وأحاطت الشكوك بنمو الاقتصاد الصيني بشكل جدي لأول مرة منذ عقود، ما دفع رجال الأعمال وكبار المستثمرين إلى تجنب الاستثمار في الأصول الخطيرة.
وأشار جينس إلى أن الوضع الآن مختلف نسبيا، فأسعار الذهب في ارتفاع، وانعكس ذلك على اقتصاد جنوب إفريقيا ــ أحد أكبر المنتجين للذهب، ومن ثم ارتفعت قيمة الراند الجنوب إفريقي بنسبة 14.8 % في مواجهة الدولار، والتغيرات السياسية في البرازيل، وآمال المستثمرين في نجاح الرئيس الجديد ميشيل تامر في كبح جماح العجز في الميزانية، أدى إلى ارتفاع الريال البرازيلي في مواجهة الدولار الأميركي.
ومع هذا، فإن بعض المختصين لا يزالون عند قناعتهم بأن التحسن الحالي في سعر صرف عملات الاقتصادات الناشئة، يعود في جزء كبير منه إلى السياسات المالية في الاقتصادات المتقدمة، فالتدفقات المالية إلى الأسواق الناشئة وصناديق الأسهم بلغت الآن أعلى مستوى لها فيما يزيد عن عام.
وتأتي عملية الهجرة من الأسواق الرأسمالية عالية التطور إلى الأسواق الناشئة من جراء سياسة الفائدة السلبية، التي تطبق نحاليا في عديد من البلدان الأوروبية واليابان، علما بأن ربع الاقتصاد العالمي يتبني حاليا تلك السياسة.

حرب عملات
أشارت “الاقتصادية” في المقابل إلى أن تحسن أوضاع عملات الاقتصادات الناشئة يدفع تلقائيا إلى التساؤل حول وضع عملات الخمسة الكبار، الدولار واليورو والين والاسترليني واليوان الصيني، ونقلت عن البروفيسور بيل لاتي أستاذ العملات والمصارف في جامعة أكسفورد والأستاذ الزائر في جامعة ييل الأميركية قوله إن السؤال المطروح الآن هو: هل نشهد الآن هدنة لحرب عملات بين الخمسة الكبار؟
وأوضح أنه في بداية العام الحالي كانت التوقعات تتمحور حول اتجاهين في سوق العملات، الأول يؤكد أن الدولار سيواصل الارتفاع، نظرا للتوقعات بأن يشهد العام الحالي ثلاث أو أربع زيادات في أسعار الفائدة الأميركية من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي. والمحور الثاني أن القوى الضاغطة أو السلبية في الاقتصاد الصيني ستدفع البنك المركزي إلى خفض سعر صرف اليوان في مواجهة الدولار، لكن لا الفيدرالي الأميركي رفع الفائدة بالمرات المتوقعة، ولا المركزي الصيني خفض اليوان في مواجهة الدولار.
وأضاف لاتي أن هذا يكشف عن الطابع التكهني المربك في سوق العملات، الذي زاد الوضع تعقيدا نتيجة سلوك كل من البنك المركزي الأوروبي ونظيره الياباني من خلال تبني سياسة تيسير كمي عبر خفض أسعار الفائدة إلى ما دون الصفر، وعلى عكس المرجو من تلك السياسة وهو خفض كل من سعر صرف الين واليورو على أمل أن يسهم ذلك في زيادة الصادرات، يبدو أن الين واليورو آخذان في الارتفاع.
وقال أيضاً إن المصارف بالطبع عندما تتبنى سياسة مالية أكثر مرونة، فإنها لا تعلن أبدا أنها تريد خفض سعر صرف عملتها في مواجهة العملات الأخرى لزيادة الصادرات، لأن هذا إعلان صريح بشن حرب عملات، وهذا ما يقود إلى تساؤل واقعي: هل هناك حرب عملات غير معلنة بين الاقتصادات الكبرى، أم أن تلك الاقتصادات لن تحدث تغيرا في سياستها المالية في الفترة المقبلة؟
وأوضح توني إيفانز من مدرسة لندن للأعمال، أنه على الرغم من تحسن وضع عملات الاقتصادات الناشئة، إلا أنه من المتوقع أن تشهد خلال المرحلة المقبلة تذبذبات تؤثر فيها بشكل ملموس مقارنة بعملات الاقتصادات الكبرى، فالاقتصادات الناشئة لا تزال اقتصادات صغيرة مقارنة بالاقتصاد الأميركي والصيني والياباني مثلا، وأقل قدرة في توجيه أسعار الصرف الدولية.