+A
A-

كريم الشكر ل”البلاد”: محمد بن مبارك أقنعني بالعدول عن الاستقالة و”أناقة” جدي وراء اللقب

حوار: زينب العكري
لقاؤنا اليوم مختلف، فهو لرجل عمل أكثر من 30 سنة في السلك الدبلوماسي، كان آخرها عندما عينه عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وكيلًا لوزارة الخارجية للشؤون الدولية بمرسوم رقم 67 لسنة 2009. وهو حاصل على بكالوريوس العلوم السياسية (مع مرتبة الشرف) من جامعة دلهي بالهند، عام 1970.
هو الدبلوماسي كريم الشكر، بدأ معنا جولة في منزله لتعريفنا على بعض لحظات حياته العملية وبدأ بزاوية بها مجموعة من صوره التي يقدم فيها أوراق اعتماده كسفير للفلبين ومنغوليا والصين وتايلاند.

حدثنا عن بداية نشأتك؟
ولدت في 23 ديسمبر 1945 في فريج “الحطب”، وهو فريج كانو حاليًا بالقرب من فريج الفاضل في المنامة. نشأت في أزقة “الشكر” وهو اللقب الذي أخذه جدي، بعد أن كان لقبنا “الصفار” ولحسن هندامه وطراوة لسانه أطلق الناس عليه “الشكر”.
بعد وفاة جدي انتقلت العائلة إلى فريج “المخارقة” وترعرعت هناك، ولكن استمررنا بالذهاب للفريج القديم والذهاب إلى “المعلم” مع عماتي ونقضي يومنا بأكمله هناك حتى كبرنا. أنشأنا فرقًا رياضية مثل الفريق الوطني والعروبة وبعدها انضم فريق العروبة إلى فريق الناشئين، ووصلت لمراحل أمين صندوق وكابتن ورئيس النادي وبعدها قدمت استقالتي للتفرغ للدراسة، إذ كنت بالمرحلة الثانوية (التوجيهي).

وماذا عن المرحلة الجامعية؟
أكملت المرحلة الجامعية، وفي البداية ذهبت مع زميلَي المرحوم نبيل قمبر والسفير عادل العياضي إلى بيروت وبغداد ولم نوفق فيهما وبعدها ذهبنا إلى الهند حيث درسنا في جامعة دلهي وتخرجنا من العلوم السياسية، وقدمنا لوظائف في وزارة الخارجية وكان من العسير قبولنا، وقدمنا الامتحان ونجحت أنا بالمرتبة الأولى وبعدها تم قبولنا نحن الثلاثة.

أكان أول عمل لكم بعد التخرج؟ ومتى كانت تلك الفترة؟
كان ذلك قبل الاستقلال في أغسطس 1970، وتم تعييننا رسميًا في سبتمبر من نفس العام، وكان الشهر الأول عبارة عن تدريب، وبعد أن أتقنا كتابة الرسائل الدبلوماسية والأجوبة انخرطنا في العمل في الوزارة وكانت هذه بداية المشوار.
بعد إعلان استقلال البحرين تم تعيين تقي البحارنة كأول سفير على الإطلاق للبحرين، وكان سفيرنا في الجامعة العربية وأيضا إلى مصر، بعدها تم تعيين ثاني سفير وهو سلمان محمد الصفار وهو ابن عم والدي في نيويورك مع غازي القصيبي، والسفير الثالث المرحوم سلمان بن دعيج في لندن، وجميعهم طلبوا أن أعمل معهم بحكم معرفتهم بي.
وبعد ذلك خرج جميع أصدقائي، منهم من ذهب إلى القاهرة مثل مصطفى كمال ونبيل قمبر، وعادل العياضي ذهب إلى بغداد وبقيت أنا، فاستنتجت من ذلك أن ذهاب جميع أصدقائي يعني أن هناك استهدافا لي، وحاولت أن أقدم استقالتي، ثم ناداني سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة طالبا مني البقاء، إذ إنه قد أعد “مكانا ممتازا” لي وطلب مني عدم الاستعجال والصبر فعدلت عندها عن الاستقالة.
وبعد أسبوعين طلبني سمو الشيخ محمد بن مبارك مع علي العريض (هو الآن بمكتب رئيس الوزراء) ليخبرنا أنني سأذهب إلى نيويورك والعريض إلى لندن، وكانت هذه بداية مشواري في الأمم المتحدة.
أتذكر أننا ذهبنا للسلام على الأمير الراحل صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه وسأل كل شخص عن مكان ذهابه وأجابه العريض أنه سيذهب إلى لندن وبارك له سموه، وسألني فأجبته سأذهب إلى نيويورك فقال لي “دير بالك على حالك”.

وكيف رأيت العمل كمندوب للأمم المتحدة هناك؟
إن جميع ما نقوم بدراسته من مواد سياسية ودبلوماسية تختلف تماما عن المعترك الدبلوماسي متعدد الأطراف في الأمم المتحدة، واجتهدت فعلًا خلال الفترة حتى رجعت إلى البحرين العام 1977.
بعد نجاحي في جنيف أصبحت مندوبا دائما كسفير للأمم المتحدة في العام 1986، وأثناء عملي كسفير في جنيف أسندت أيضا لي مهمة أول سفير إلى ألمانيا قبل أن تتوحد وكانت العاصمة “بيرن”، وأيضا سفير لدى النمسا ومندوب دائم للأمم المتحدة لدى فيينا، وفي نيويورك عاصرنا فترة الانفراج بين المعسكر الشرقي والعربي وكانت بداية انتهاء الحرب الباردة وكان همنا الوحيد حينها الحرب العراقية الإيرانية وكيفية تسوية هذه الحرب وما جرته من ويلات على المنطقة خصوصا لعملية تصدير النفط التي مرت بمراحل هذه الحرب على الجبهتين، وحرب الصواريخ على العاصمتين، إلى أن انتقلت إلى ضرب الموانئ الخليجية وتمت تسميتها بـ“حرب التنكر” أو حروب ناقلات النفط، إذ تم ضربها من قبل الطرفين.
رجعت إلى البحرين واستلمت إدارة الشؤون الدولية حتى العام 2001، إذ ذهبت إلى الصين كسفير لحوالي 7 سنوات وكنت أيضا في ذات الوقت سفيرًا لدول عدة منها منغوليا، ماليزيا، سنغافورة، الفلبين وتايلاند، وكانت فترة مهمتي في الصين فترة مهمة وكانت فترة حرجة بالنسبة للصين الانتقال من مرحلة الشيوعية إلى مرحلة تحرير الاقتصاد وشموليته ليكون اقتصادا مباشرا، حيث تفككت فيه الكثير من الشركات التي كانت موجودة وتم عمل اقتصاد الصين العملاق بعد تحريره.
وأخيرا رجعت إلى البحرين في العام 2007 وكان لقبي في ذاك الوقت سفير فوق العادة مفوض متعدد المهام وكنت ممثل البحرين في حوار الحضارات حتى عُينت وكيل وزارة الخارجية وتقاعدت منذ عام ونصف من الآن.

ما الذي تعلمته من مسيرتك العملية واستفدت منه باعتمادك سفيرا للبحرين وفي الأمم المتحدة؟
إن الدبلوماسية متعددة الأطراف تختلف عن الدبلوماسية الثنائية التي يتم العمل فيها لصالح البلد، وفي “المتعددة” يتم العمل تحت ظلال الأمم المتحدة من أجل البشرية جمعاء بالتعاون، وليست كل الأمور وردية إنما هناك أيضا خلافات، ولهذا السبب نجد القضايا العالمية موجودة في الأمم المتحدة وأي دولة تعتدي على الأخرى سواء بالعدوان عن طريق السلاح أو التهديد تقوم بالشكوى لدى الأمم المتحدة، وهناك ما يسمى بـ”مطبخ العالم” حيث يتفتح ذهنك على جميع قضايا الأمم المتحدة وكيفية حدوثها وبطبيعة الحال فإن الأمم المتحدة هي البرلمان الدولي وكل من يعبر عن صوته ورأيه.
الدبلوماسي غالبية وقته يكون مشغولا بالاجتماعات والمؤتمرات العديدة، والعمل الدبلوماسي متعدد الأطراف ويتطلب كثيرًا من النشاط، وفي الأمم المتحدة لكي يكون لبلادك شأن مرموق عليك بمخالفة المثل القائل “إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”، ليكون العكس “إذا كان السكوت من فضة فالكلام من ذهب”، أي إذا كنت تريد أن تكون لك خريطة دولية معروفة لابد من الحديث والتعاون في جميع المجالات والمشاركة في اتخاذ القرارات، وكل الدول إن كانت صغيرة أو كبيرة لها صوت، وهذا هو متعة العمل الدبلوماسي متعدد الأطراف، إذ تتعرف فيه على الكثير من الناس وتكون لك ذكريات جميلة.
وفي العمل الثنائي أيضا نعمل مع الزملاء ونشترك معهم في أفراحهم وأتراحهم ونحاول أن ننجز اتفاقيات قدر الإمكان.

كم عدد الدول التي أصبحتَ سفيرًا للبحرين فيها؟
كسفير مقيم في جنيف ونيويورك ولندن والصين، وكسفير غير مقيم في عدد من الدول لا يحضرني عددها حيث كنت أذهب إليها شهريًا أو فترة شهرين أو ثلاثة.

كيف كانت علاقتك مع الوالد؟
كان والدي رحمه الله كهربائيا، كان طيبا، وهمه الأساس دراستنا، والحقيقة نجح في تحقيق هذا الهدف إذ إن جميع إخواني وأخواتي أكملوا دراساتهم الجامعية وكنا أسرة مكونة من 5 أولاد و4 بنات، كنت الولد الثاني في العائلة، وأتذكر أن والدي أصر على إكمال دراستي، كنت أريد أن أصبح مهندسًا ولكن لم يشأ القدر، كان والدي رجلا حنونا وتوفي في وقت مبكر عندما كنت في نيويورك.

كم لديك من الأبناء؟
لدي 3 بنات، ابنتي الكبرى أريج وتعمل في مجلس التنمية الاقتصادية، والثانية إلهام تعمل في “ممتلكات”، والصغرى حصة ربة منزل ولديها 3 بنات.

ماذا عن القراءة؟
أنا مداوم على القراءة باستمرار وأرى بها تفتيحًا للذهن لكثير من المعرفة وأيضا تروض العقل، والآن مع تقدم التكنولوجيا أصبحت القراءة كلها عن طريق الهواتف الذكية، ولكني مازلت أحب القراءة على الورق.

ما آخر كتاب قرأته؟
هو كتاب لم يصدر بعد وهو عن الدبلوماسية في العهد الرقمي، قرأت منه بعض الفصول إذ مازال تحت الطباعة لزميل لي هو محمد صالح، وعمل في الأمم المتحدة والصين ونيودلهي والآن في وزارة الخارجية، وطلب مني أن أراجع بعض الأشياء وفعلا وجدت فيه أنه كتاب مهم وعهد جديد لم يتطرق له أحد، إضافة إلى كتاب محمد نعمان جلال عن الدبلوماسية الصينية.

هل أنت من محبي السفر؟
بطبيعة عملي فإني دائم السفر، وفي السفر فوائد منها التعرف على مجتمعات وثقافات جديدة وأسلوب مختلف للحياة، خصوصا بالنسبة للطقس والمناخ وأيضا تكوين صداقات واتصالات، والأهم هو إنجاز العمل في نفس الوقت.

من ضمن الصور التذكارية شاهدنا صورًا لتسلمك وسام الكفاءة من جلالة الملك، متى كان؟
منحني جلالة الملك وسام الكفاءة من الدرجة الأولى في 16 ديسمبر 2013 في احتفال العيد الوطني المجيد، أنا وحامد العامر.

هل أنت من محبي الرياضة؟
كنت كرويًا طوال حياتي، وأحب الرياضة بطبيعة الحال، وبعدما عملت في السلك الدبلوماسي كنت أذهب إلى النادي الرياضي ولكن قبل 5 سنوات توقفت عن ذلك ابتداء من تعييني وكيلًا لوزارة الخارجية، ولكن في رمضان هذا العام تابعت قليلا الدوري الأوروبي عند الذهاب للمجالس الرمضانية وأنا بطبيعة الحال عضو في النادي الأهلي.

ما هواياتك الأخرى؟
إضافة للقراءة أحب معاودة المجالس البحرينية ودائما أذهب للمجالس للالتقاء مع الناس، إذ إنني لست مغرما بالتواصل الاجتماعي عن طريق البرامج والتطبيقات على الهواتف، حيث تكون هناك أخطاء بعض الأحيان يتم فهمها بطريقة خاطئة وغير مقصودة.
كما أحرص على زيارة والدتي وأخواتي ولكن أتوقع أنني مقصر بذلك، إذ إن الحياة أصبحت معقدة أكثر والمواصلات ليست بالسهولة التي كانت في السابق مع صعوبة الحصول على مواقف، والمشوار ذو الـ10 دقائق أصبح يتطلب 40 دقيقة، تعقدت الحياة أكثر من السابق.

ما أكلتك المفضلة؟
أحب الأسماك منذ الطفولة، فأنا أعشق كل الوجبات السمكية والبحرية.

ما أول سيارة امتلكتها؟
كانت سيارة من نوع “تويوتا” موديل 1970، بعد عملي في وزارة الخارجية من الوكيل إبراهيم كانو من أول محل له بجانب القلعة.

ما الموقف الذي صادفك خلال عملك في وزارة الخارجية وما زلت تذكره؟
في بداية عملي في العام 1970 صادفني موقف ظريف، إذ ناداني سمو الشيخ محمد بن مبارك قبل استقلال البحرين وكانت أول مهمة لي في الخارج، وكان مطار البحرين صغيرا وموقعه إدارة الطيران المدني حاليا، كانت باكستان منقسمة بين الشرقية والغربية وحصل لهم طوفان في الشرقية، وأخبرني سمو الشيخ محمد بأنه عليّ الذهاب إلى باكستان لإرسال معونة غوثية وسيكون برفقتي “زهور الحسن”، وعند سماعي بالاسم قررت أن أعتذر عن ذلك، لكونها امرأة ولكن شجعني الزملاء على الاستمرار، وذهبت إلى المطار أبحث عن “زهور الحسن” ولم أجدها وسألت المتواجدين على المنصات وأشاروا إلى رجل كبير في السن اسمه “زهور الحسن” باكستاني الأصل جاء إلى البحرين منذ العام 1932 ليأخذ الجنسية البحرينية بعدها!