+A
A-

إطلاق الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي “جريمة” وليس “مزحة”

كتبت- رقية الجابر
تواجه المجتمعات الخليجية والعربية حالياً مشكلة الشائعات خصوصاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت كما يقال “موضة”، وانتشر نطاق هذه المشكلة بشكل أوسع مع انتشار الشباب الناشطين عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وتعود أسباب هذه المشكلة إلى محاولات خبيثة من قبل البعض للنيل من سجل ناشطين بلغوا النجاح والشهرة وصاروا في القمة ولهم آلاف المتابعين.
نحن نعيش في دولة قانون، وتحكم قيمنا تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وعليه يجد كل شخص يقوم بانتهاك خصوصية الآخرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو يتعرض لشخصياتهم بما يسيء لسمعتها العقوبة والإدانة المناسبة للجرم الذي يرتكبه، فما يعتقده البعض بأنه “مجرد مزحة” يعد جريمة في حق الغير، وكما تدين تدان.

حمادة: تعرضت لموقف كاد يشوه سمعتي
هناك نوعان من البشر: الأول الذين عندما تصل إليهم الشائعة تقف عندهم ولا تنتشر، والثاني لديه قدرة كبيرة في النشر، ومن شدة فعاليته يصبح كأنه وزارة إعلام تقوم بمهمة نشر الأخبار وتوزيعها بين أفراد المجتمع.
يقول سعد حمادة في فترة من الفترات، كنت فيها نشطا وفعالا بشكل ملحوظ على شبكات التواصل الاجتماعي، تعرضت لموقف كاد يوقفني عن الأعمال التي كنت أقوم بها ب “السوشيل ميديا”، إضافة إلى أنه كان من الممكن أن يتسبب في تشويه صورتي وسمعتي أمام عائلتي والمجتمع، ويتمثل ذلك في إرسال الرسائل في الدردشات الخاصة عبر حسابات وهمية، والصدمة أن هناك حسابا قام بإرسال هذه الرسالة “اسمك أصبح مترددا بين أصدقائك.. جاري تشويه سمعتك”، أصبحت هذه الجملة في دماغي لأيام عدة.. ولكن التصرف الذي قمت به كان هو تجاهل هذه الرسالة والالتفات إلى مواضيع أهم.
بعدها بفترة قصيرة، فوجئت بتواصل إحدى الفتيات معي عبر رسائل الدردشات الخاصة بحساب حقيقي، وقامت بتنبيهي إلى أن هناك من يتلاعب باسمي لهدف تكوين علاقات، صدمت حقًا.. وقمت بأخذ اسم الحساب من هذه الفتاة، ودهشت بأنه كان نفس الحساب الذي تواصل معي منذ فترة محدودة. ولكن الأمر الغريب والمضحك أنه عندما تواصل معي هذه المرة كان متجسدا شخصية شاب، وعند تواصله مع الفتاة تجسد في شخصية فتاة.
هنا عزمت على اتخاذ إجراء تجاه هذه الفتاة، صاحبة الحساب الوهمي، وأخبرتها بأنني قدمت بلاغا ضدها في قسم الجرائم الإلكترونية بوزارة الداخلية، بعدها أجابتني بأن “هذا الموقف دعابة فقط وأنني أمزح معك”، فلم يكن جوابي إلا بأن الأمر خرج عن السيطرة ويجب على كل شخص أن يعرف حدود المزاح. وأضاف حمادة أن ذلك الموقف كان أصعب المواقف التي واجهته عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهو يمثل جانبا من التأثيرات السلبية التي تترتب على المجتمع من خلال إطلاق الشائعات الباطلة، حيث تؤدي إلى أن يصبح المجتمع متضرراً وبنيته ضعيفة، أما التأثيرات على الفرد، فتختلف حسب شخصية كل شخص، فإذا كان قوي الشخصية فلن يتأثر بها، إما إذا كان ضعيف الشخصية فسيتأثر حتما ويخسر بعد ذلك جمهوره، فالجمهور يعتمد أساسا على شخصية صاحب الحساب، وهو الأداة التي تجعل الناس والمجتمع يصدق أو ينكر الشائعة.

أحمد شريف: كلما زاد عدد متابعيك زادت الشائعات
في الفترة 2016-2013 شهدت مملكة البحرين انتشار عدد من الشباب عبر شبكات التواصل الاجتماعي يقومون بطرح القضايا المجتمعية أو الخليجية عن طريق عمل فيديو مصور لا تزيد مدته عن 15 ثانية، وزاد إقبال المتابعين لهم وأصبح انتشارهم بشكل أوسع.. فكل شاب واجه قضية أو التفت لها قام بعمل فيديو يطرحها للرأي العام، وحدث هذا بعدما زاد انتشار استخدام برامج شبكات التواصل الاجتماعي خصوصا بدول الخليج العربي.
ولكن ليس كل ما ينشر إيجابيًا، بل هناك أحداثا سلبية قد تواجه هؤلاء الشباب تم نشرها، ومن الممكن أن تحلق الضرر بهم وبسمعتهم، خصوصا أن مجتمعنا صغير ولا صعوبة في انتشار أي موضوع بين الناس.. لذا تطرقت بهذا التحقيق لمسألة تخص بعض الشباب الذين اشتهروا عبر هذه الوسائل خصوصا شباب برنامج “الانستغرام”، إذ قال الناشط أحمد شريف: ابتدأت شهرتي بشبكات التواصل من خلال عمل الفيديوهات الكوميدية بمشاركة عدد من الأصدقاء، فقد كنت أنشر بعض الأمور التي تمر بكل أسرة خليجية بحس الدعابة والمرح، ويوما عن يوم يزداد عدد متابعيّ، ولكن منذ بدايتي في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي خصوصا برنامج “الانستغرام” واجهت العديد من الشائعات، وحصل هذا بعد انتشاري وزيادة عدد المتابعين.
ولكني أرى ذلك من منظور الحكمة “كلما توسعت وزاد عدد متابعيك أصبحت في محط الأنظار وتزيد متابعة الناس لك واهتمامهم أيضا، وكذلك ترتفع نسبة الشائعات سواء كانت بقصد أو غير ذلك”. على الغالب كنت أواجه هذه الشائعات خارج هذه البرامج لاسيما بعد زيادة عدد متابعي، وأضاف شريف أن تأثير هذه المشكلة أو هذا المرض “الشائعات” يمكن أن يؤثر على عدد كبير من الناس، إذ تقوم بتشويه صورة الشخص المعني بهذه الشائعة، ولكنني شخص مسالم ومحبوب ما بين الناس، لذا لم أتضرر من هذه الناحية ولله الحمد.
كما ذكر أحمد شريف أن الإجراءات التي من الممكن القيام بها من وجهة نظره لمواجهة خطر تلك الشائعات ألا تبرر ولا تلتفت لأي شائعة قد تشاع ضدك، بل عليك مواصلة المشوار وطريقك والاعتماد على الله وهو على كل شي قدير.

المحامية شيماء عبدالعزيز: نواجه العديد من هذه القضايا حاليًا
بدورها، قالت المحامية شيماء عبدالعزيز إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً مهماً من حياتنا اليومية، ولكن هناك من يستخدمها استخداما سيئا، مثل اختراق خصوصية المستخدمين من قبل أشخاص لا يلتزمون بحدودهم، مما قد يعرضهم للكثير من المشاكل عندما يتم التعرض لتلك الخصوصية مع احتمالية نشرها للعامة في تلك الوسائل، وفي غالب الأحيان تحريف الحقيقة والواقع للمستخدمين مما يعرف بالشائعات ونشرها لأهداف غير شريفة، أو ما قد يتعرض له المستخدمين من سب وقذف وتشهير من خلال تلك البرامج، وهذا يعد جرم لمن يرتكبه ويعاقب عليه كما جاء في قانون العقوبات وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية قانون (60) لسنة 2014 بشأن تقنية المعلومات.
ولكن عموما أصبحت هذه المشكلة في تزايد مستمر، وقد زادت الجرائم في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي جرائم مثلها مثل الجرائم التي تقع من الأشخاص ويتم التبليغ عنها في أحد مراكز الشرطة أو عن طريق تقديمها في إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية التابع لوزارة الداخلية، كما أنه يمكن الاتصال على الخط الساخن التابع للإدارة أو تقديم البلاغ عن طريق الموقع الإلكتروني الخاص بوزارة الداخلية.
وأضافت شيماء أيضا أنه يمكن للشخص المتضرر اللجوء إلى المحامي؛ لتوكليه رسمياً للقيام بالإبلاغ عن الجريمة ومتابعتها، كما يمكنهم توكيل المحامي بعد تقديمهم البلاغ؛ للقيام بمتابعتها لحين تحويله من النيابة العامة إلى المحاكم.
وتابعت شيماء حديثها قائلة “بالنسبة إلى التعويض التقديري لا يمكننا تحديد مبالغ التعويض التي قد يحكم بها على المتهم لصالح المجني عليه، إذ إن تقدير قيمة التعويض هي سلطة تقديرية للقاضي المعروض عليه الدعوى الخاصة بالمطالبة بقيمة التعويض، وذلك لاختلاف الضرر بين الأشخاص، وهذا ما يقوم به القاضي من خلال جلسات الدعوى لتقدير قيمة التعويض عن الضرر المادي والمعنوي للأشخاص، فهناك العديد من الأضرار والظروف التي قد تختلف من شخص إلى آخر.
وقالت كل “جريمة تقع لابد من أدلة إثبات تؤكد وقوعها من قبل المتهم”، وأن أدلة الإثبات تتعدد، فمنها حساب المستخدم الذي ارتكب الجريمة ما إذا كان باسمه، أما في حالة ما إذا كان صاحب الحساب مجهول يتم محاولة الوصول إلى الجهاز الذي تم الإرسال من خلاله وهذا هو الدور الأساس لإدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية، والتي اعتمدت في إدارتها على الخبراء المتخصصين لمعرفة كل ما يتعلق بحسابات وسائل التواصل وكيفية استخراج الرقم أو الرمز الخاص بالجهاز المرسل منه الموضوع المتعلق بالجريمة، إضافة إلى ما تقوم به الإدارة من تحريات وجمع استدلالات للتوصل من خلالها على الشخص المرسل والمرتكب للجريمة المبلغ عنها.
خالد الشنو: الشائعة قضية يحاربها الدين
قال الشيخ خالد الشنو: في الإسلام مقاصد عظيمة لحفظ أمن المجتمع، وأيضا فيما يتعلق في حفظ سمعة الشخص”، لذلك كان الإسلام إزاء هذه القضية حريصاً كل الحرص على رفض كل ما يؤدي إلى زعزعة الأمن وزعزعة سمعة الإنسان، وعليه حارب الشائعة سواء كانت على مستوى الوسائل المقروءة أو المسموعة، ومن ضمنها الوسائل المنتشرة حاليا (شبكات التواصل الاجتماعي).
وأضاف الشنو: “إن الإسلام يحذر من الشائعة بما فيها من تأثيرات سلبية وآثار بعيدة المدى على المجتمع والفرد، ولذلك نجد في آيات القران الكريم حرص الشريعة على التأكد والتثبت وهو منهج نحارب فيه هذه الشائعة، يقول الله عز وجل “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”، فمنهج التثبت والتبين هو منهج أصيل في الإسلام يقصد من ورائه التحقق من مصدر هذا الخبر ومصدر هذه الأنباء التي تشاع من فترة إلى أخرى؛ لأن ذلك يؤدي إلى اتهام الآخرين من غير مبرر أو اتهامهم من غير دليل ولا بينات في المقابل.
فالإسلام جعل عقوبة لمن يتدخل في قضية الأعراض فيشيع أقوالاً ليس لها بينات وليس لها مستندات ولا أدلة واضحة، وفي ذلك حد من حدود الشريعة اسمه “حد القذف”، ويعني أن يتهم الإنسان غيره من غير دليل فيتكلم على عرضه وهذا الأمر سواء تم بالكلام المباشر أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي فهو حقيقة مذمة في الشخص الذي اتهم الآخرين، ويحق للطرف الآخر أن يرفع عليه دعوى بحد القذف والاتهام من غير بينة ولا برهان، وكل هذه التدابير جعلها الإسلام من أجل الحفاظ على المجتمع وعدم زعزعة أمنه والحفاظ على استقراره قدر المستطاع، والشائعة محاربة في الإسلام ومذمومة وتنم عن جهل من الإنسان.
كل هذه الأمور في مجملها تبين منهج الإسلام تجاه الشائعة، وهناك تدابير وقائية وعلاجية. ويؤكد الشنو أن من شاع أمرا ما، فالإسلام يعطيه فرصة للتوبة وأن يتسامح من الشخص ليعفو عنه، وإن لم يستطع الوصول للشخص فينشر عن الذكر الحسن ويردد دائما “رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا”. وأيضا يوم القيامة يترك للإنسان الذي يريد أن يذهب إلى الجنة ولكنه شاع خبرا غير جيد أو تكلم في عرض فلان، الفرصة بأن يتسامح وإن لم يتسامح مع الشخص أو الشخص لم يعفُ عنه، فلا شك أنه يعذب بمقدار ما شاعه وما ترتب عليه من إضرار في حق ذلك الشخص.
الأمر المرجو والمتوقع أن الجميع يريد الوصول إليه هو التوقف عن نشر الشائعات سواء كانت صحيحة أم خاطئة. من ستر على أخيه المسلم ستر الله عليه يوم القيامة، لذلك يجب علينا أن نكون مجتمعا مثقفا وواعيا ونتمنى الخير للجميع، وألا نكون “كاميرا” مراقبة لأخطاء من هم في نجاح واستمرار، بل يجب أن نساندهم ونكون بجانبهم للنهوض إلى مجتمع واع وقوي ينتشر في أرجائه الحب والتعاون والوفاء بين أفراده.
طالبة في جامعة البحرين