+A
A-

النزر ل“البلاد”: ظاهرة استشاريي “الأون لاين” ألقت بظلالات سلبية على تركيبة الأسرة البحرينية

البلاد - إبراهيم النهام
دعت الاختصاصية النفسية فاطمة النزر إلى وضع ضوابط فيما يتعلق بالاختصاصيين النفسيين الذين يباشرون المهنة بدون مؤهلات حقيقية، موضحة أن استشراء ظاهرة اختصاصيي واستشاريي (الأون لاين) باتت على نطاق واسع، ومن شأنها أن تلقي بظلالات سلبية على المجتمع، وتركيبة الأسرة البحرينية.
وأوضحت النزر في حوارها مع “البلاد” أن النظرة السلبية للطبيب النفسي تناقصت مؤخرًا بشكل واسع، معوِّلة على ذلك الدور الإيجابي لوسائل الإعلام المختلفة، ومزيدة بأنه “لا يوجد شخص بعيد عن الاضطراب أو المرض النفسي”.
وأشارت إلى أنه لا يمكن التغافل عن التأثير الذي ألقته الأوضاع السياسية والاقتصادية في “البلاد” على النفسية العامة للمجتمع، مؤكدة أنه “يصعب التعامل معها في الكثير من الأحيان، وقد تؤدي للانفجار”.
وفيما يلي نص اللقاء:
* بداية، ما الصفات الواجب توافرها بالاختصاصي النفسي في مجتمع كالمجتمع البحريني، وهل هي وافية؟
إلى جانب إلمامه بالجوانب العلمية والتطورات الحاصلة في ميادين علم النفس إلا أن بساطته في التعامل مع الأفراد للتقرب منهم خاصة في مجتمعاتنا العربية أمر بالغ الأهمية.
وفيما يخص الفكرة النمطية عن العاملين في المجال النفسي، من المهم أن يتصف الاختصاصي النفسي بالحيادية في التعامل وتقبل المريض، إضافة إلى السرية في التعامل مع الحالات والذي يعتبر من أساسيات عمل الاختصاصي النفسي، واعتقد أنها موجودة بين الاختصاصيين النفسيين المؤهلين في مجتمعنا البحريني.
* أين تكمن الإشكالية إذن؟
تكمن الإشكالية بوجود أشخاص غير مؤهلين علميًّا، ومن غير ذوي الاختصاص الذين أقحموا أنفسهم في هذا المجال، واعتبروا أنفسهم متخصصين في علم النفس وحل المشكلات النفسية لمجرد حصولهم علي دورات مصغرة في الإرشاد النفسي والزواج، دون أساس علمي صحيح.
واسمح لي أن أطلق عليهم مسمى (المرشدين والاختصاصيين النفسيين أون لاين)، والذين نجدهم بكثرة في مواقع التواصل الاجتماعي للأسف.
* هل ترين بأن الحالات المرضية النفسية في المجتمع البحريني بازدياد؟ لماذا؟
للتوضيح، هناك مشكلات نفسية واضطرابات نفسية وأمراض نفسية، والفرق بينهم يكون في الدرجة ومدى تأثيره في حياة الفرد، وأرى من خلال عملي أن المشكلات النفسية آخذة في الازدياد.
وإذا لم تعالج فورًا وبالشكل المناسب، ستتحوّل إلى درجة أشد ومرض نفسي سيصعب حله وسيؤثر بالتأكيد في المجتمع ككل، وعن سبب ازدياد الحالات أعتقد أنه بسبب طبيعة الحياة الضاغطة على الفرد، فنحن نمر بتغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية يصعب علينا في كثير من الأحيان استيعابها والتأقلم معها، مما ينتج عنه صراع بداخل النفس البشرية.
* ما مدى انعكاس الأوضاع الاقتصادية علي النفسية العامة؟ هل لديك مشاهدات؟
الإنسان مجموعة انفعالات وأفكار، وبالتالي فإن الأوضاع الاقتصادية والسياسية تؤثّر بشكل مباشر على نفسيته، فنحن لا نستطيع مثلاً أن نقول لربِّ منزلٍ يعاني من ضغوط مالية ويسعي لتربية أبنائه لا تقلق أو لا تصب بالاكتئاب.
وقد تكون مشاهداتي في كثير من الحالات تتمثل في الجانب الاقتصادي والسعي للرزق والضغوط الحياتية ناهيك عن بعض الحالات التي وصلت لي في عيادتي الخاصة والتي تشعر بعدم الاستقرار الوظيفي أو الإحباط.

* ما أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا في المجتمع البحريني؟ وما أسبابها؟
نعيش اليوم ما يسمى بعصر القلق، ولا أستطيع أن أنكر أنه من أكثر الحالات التي تصلني، كذلك أرى في الوقت الحالي كثيرًا من حالات عدم التوافق الشخصي والأسري والذي قد يكون له العديد من الأسباب سواء الشخصية منها (طبيعة نمط الشخصية) أو أسباب اجتماعية.
* لماذا ينظر الناس نظرة سلبية للطبيب النفسي؟
تناقصت مؤخرًا هذه النظرة السلبية في مجتمعنا البحريني، وأعتقد أن للإعلام دورًا كبيرًا في ترسيخها في وطننا العربي دون استثناء، فالطبيب أو الاختصاصي النفسي صوّر فيها كشخص منكوش الشعر غير مهندم، مجنون ويعالج مجانين أو يستخدم الكهرباء لصعقهم.
* ما مدى العلاقة بين الأمراض العضوية والنفسية؟ وما أكثر الحالات ترابطًا من واقع خبرتك؟
هي علاقة تبادلية فهناك أمراض نفسية تتحوّل لأمراض جسدية وتسمي (سيكوسوماتيه) كالقولون العصبي والصداع النصفي، فقد يكون أساسها نفسيًّا كالقلق والتوتر وتظهر بشكل أعراض جسدية.
وقد يكون العكس فتكون أمراضًا جسدية وتؤثر نفسيًّا كمرض السرطان أو الإصابة العضوية جراء حادث مثلا فينعكس ذلك على الشخص، ويصاب بالاكتئاب والقلق، وتتنوّع الحالات بين الاثنين من واقع خبرتي.
* ما أكبر شرائح المجتمع تعرضًا للضغوط والأمراض النفسية، كبارًا، صغارًا، موظفين، ربات بيوت، وبم توجهينهم؟
إن الأمر الذي يجب أن يقر به الكثيرون هو أن ليس هناك شخص بعيد عن الاضطراب أو المرض النفسي، فكلنا معرضون لهذه الحالات حتى أنا وأنت، فمن الممكن أن نتعرّض لظروف خارجة عن إرادتنا ونصاب باضطراب أو صدمة نفسية أو قلق ولا يستثنى جنس عن آخر أو عمر محدد أو طبقة اجتماعية أو مستوى ثقافي أو تعليمي منها، ولهذا فتوجيهي الرئيسي لهم أن نعترف بوجود مشكلة ونسارع للمختصين لحلها حتى لا تتفاقم.
* كم عدد العيادات النفسية بالبحرين؟
هناك العديد من العيادات النفسية في البحرين، إذ إن العمل في المجال النفسي آخذ بالتطور في السنوات الأخيرة.
* هل الذكور أم الإناث الأكثر ميلاً لهذه المهنة؟
من الصعب تحديد الميل لهذه المهنة بحسب النوع؛ بل بحسب الاستعداد الشخصي والميول المهنية، فهناك الكثير من النفسانيين المميزين من الجنسين.
* كيف يمكن الفصل ما بين الدجالين والمعالجين؟
الفرق كبير ولا مجال للمقارنة، فالمعالج النفسي شخص أكاديمي حاصل على تدريب علمي وعملي يؤهله لممارسة المهنة.
* كم النسبة المئوية لمراجعي العيادات النفسية بالبحرين؟ تقريبًا.
لا أملك إحصائيات دقيقة بهذا الشأن، ولكن حالة الوعي لدى المواطن البحريني جعلته أقل تخوفًا من مراجعة العيادة النفسية مقارنة بالسنوات الماضية.
* هل يجدي العلاج النفسي دائمًا؟ ما أكثر ما يردده المرضى؟
نعم في غالب الأحيان يكون مجديًا، ولكن كما تعلم هناك أمراض جسمية لا يوجد لها علاج، فذات الوضع ينطبق على المرض النفسي.
وأكثر ما يردده المرضى، فإن الاضطراب النفسي يختلف من فرد إلى آخر في أسبابه وأعراضه وحتى في أسلوب علاجه، ويعود ذلك للطبيعة الإنسانية المنفردة، لذلك يوجد مبدأ في العمل النفسي يسمى (فردية الحالة).
* بِمَ تفسرين تفضيل بعض الناس ممارسات شيوخ أو معالجين بالقرآن على الأطباء النفسيين؟ وفي الأمراض العضوية أيضًا، وهل يمكن أن نصفها بالحالة؟
هي أمور ثقافية وموروثات لا نستطيع نكرانها أو إلغاءها بشكل تام، أو تغييرها بل بالعكس، إن التصادم معها سيخلق فجوة بين المعالج النفسي والمريض، فإن بعض الممارسات الخاطئة من بعض الأطباء والاختصاصيين النفسيين تدفع المريض لطلب العلاج في مكان آخر، إضافة للإعلام كما قلت سابقًا.
* هناك اعتقاد بأن الاكتئاب والمرض النفسي لا يصيب الأطفال، ما رأيك؟
كما قلت مسبقًا، لا عمر للمرض النفسي، والاكتئاب والقلق من الممكن أن يصيب الأطفال كذلك، فالطفل الذي يفقد أحد والديه مثلاً، من الممكن أن يصاب بالاكتئاب ولكن قد تختلف الأعراض بين الطفل والشخص البالغ.
* ما مدى ارتباط الأمراض النفسية بالمشاكل الحياتية؟ من أين يبدأ العلاج؟
ارتباط وثيق ولا شك، ويبدأ العلاج بإدراك الشخص أو من حوله لوجود مشكلة ما، فنصف العلاج هو الإدراك وطلب المساعدة.

* يقول بعضهم بأن الاختصاصي النفسي لا يؤمن بآثار القرآن ودوره في العلاج، ما رأيك؟
هذا الكلام ليس صحيحًا إطلاقًا، فنحن قبل أن نكون متخصصين في العلاج النفسي نحن مسلمون، ولأذكر لك أمرًا مهمًّا في هذا الصدد أنه حتى في العالم الغربي هناك ما يسمى بالعلاج النفسي والروحي فنحن لا نستطيع فصل الإنسان عن دينه أو معتقداته.