+A
A-

المراقبون يؤكدون نجاح زيارة العاهل في تحقيق أهدافها كاملة

المنامة، القاهرة- بنا: شهد الجميع بنجاح زيارة عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى مصر بكل المقاييس، فقد حققت أهدافها كاملة وأذنت بتاريخ جديد للعلاقات زاهر ومفعم بالتعاون والأمل للشعبين الشقيقين نتيجة الجهود المضنية التي بذلتها قيادتا البلدين في الإعداد والتخطيط؛ لتحقيق هذا الإنجاز الكبير ومن ورائهما فريق عمل استطاع تحقيق رؤيتهما بشكل سليم يستحق الثناء والتقدير.
إن المتابع للزيارات المتتالية التي تمت من قادة دول مجلس التعاون الخليجي لمصر في الآونة الأخيرة يلاحظ أن جميعها يصب في إطار هدف واحد رئيس، وهو تدعيم قوة مصر في ظل إيمان القادة أن مصر هي بيت العرب، وأن استعادة دورها الإقليمي يعني تدعيم العمل العربي المشترك، وبث الروح فيه من جديد بعد سنوات عجاف ذاق فيها الوطن العربي ويلات لم يشهدها في تاريخه أبدًا إثر الفوضى الهدامة التي اجتاحت العديد من دوله وبذرت بذور الشقاق والحروب والتخريب والطائفية المقيتة حتى صار العالم العربي بحاجة إلى انتشاله من هذا المنحدر العميق الذي أوقعه فيه أعداؤه.
وقامت دول مجلس التعاون بدور سيذكره لها التاريخ بحروف من نور في إنقاذ الأمة من هذا المصير المجهول، فكان لها دورها المشهود في اليمن وفي سوريا والعراق، وحمت الأمة العربية من الأطماع الإيرانية التوسعية ووقفت مع مصر وقفة مشهودة لاستعادة الأمن والاستقرار بها، وها هي مستمرة في أداء دورها رغم الأعباء الثقال لهذا الدور، ولكن هكذا الرجال يصمدون وقت النزال والشدة، فرغم المتاعب والمشاق لا تزال دول الخليج العربية تواصل دورها في إنقاذ الأمة العربية، فإن بوادر النصر ظهرت، وها هي تذيق أعداء الأمة كؤوس الهزيمة يوما بعد يوم.
إن مملكة البحرين بقيادة مليكها كانت من أوائل الدول التي أعلنت المشاركة في هذه المهمة التاريخية العظيمة، وساهمت بما يفوق حتى إمكاناتها في هذا المجهود العظيم على جبهات عدة، لاستعادة الشرعية في اليمن وفي محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي وفي حماية الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، وفي حماية بحر العرب وفي حماية حياة اللاجئين السوريين. وها هو جلالة الملك يذهب لمصر ومعه فريق كبير لم تشهد علاقات البلدين له مثيلاً لتوقيع 20 اتفاقية تشمل مختلف المجالات وإعادة الروح للجنة المشتركة، وقد نجح جلالته في تحقيق ذلك وإيصال رسالة للعالم بأن مصر آمنة مستقرة.
وقد حرص جلالته خلال الزيارة على تأكيد هذه المعاني الكبيرة حين شدد على أن المملكة ستسخر جميع إمكاناتها السياسية والاقتصادية لخدمة مصر؛ تعبيرا عن تقديرها لدور مصر العظيم في حماية المقدرات الوطنية.
وقد بادلت مصر جلالة الملك حبه الكبير هذا لأرض الكنانة بحب كبير أيضًا بدا جليًا في الترحيب الكبير والمنقطع النظير بهذه الزيارة من الرئيس عبدالفتاح السيسي والمسؤولين والنواب وقادة المجتمع المدني كافة، واصطفاف أبناء الشعب المصري لتحية جلالته وتأكيد الرئيس السيسي وقوف مصر الدائم بجانب البحرين ضد أي تهديدات خارجية أو مساع للمساس بها، مضيفًا أن مصر القوية ستظل سنداً لأشقائها.
وعبرت وسائل الإعلام المصرية عن عظيم الامتنان لمواقف عاهل البلاد ومملكة البحرين في دعم مصر، وأفردت كبريات الصحف المصرية ومحطات التلفزة تغطية شاملة للزيارة وأهدافها، مثنية على دور جلالة الملك وشعب البحرين في الوقوف إلى جانب القاهرة في هذه المرحلة التاريخية المهمة.
ولأن مصر هي ملتقى الأديان، حرص جلالة الملك خلال زيارته على زيارة رمزي الديانة الإسلامية والمسيحية في المنطقة، فزار جلالته الأزهر الشريف، حيث أعرب عن عميق شكره وتقديره للأزهر الشريف على مواقفه الداعمة لوحدة شعب البحرين واستقراره، مؤكدًا أن هذه المواقف المشرفة ليست بغريبة على الأزهر المعروف بالوسطية والاعتدال والانتصار للحق، مضيفًا أن للأزهر وعلمائه دوراً رائداً في خدمة الإسلام والمسلمين منذ أكثر من ألف عام، منوِّهًا بالدور الحيوي والمهم الذي يضطلع به الأزهر الشريف في العناية بالثقافة الإسلامية الأصيلة وإعلاء قيم التسامح والفضيلة والخير.
كما زار جلالته الكاتدرائية المرقسية، والتقى البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، حيث أكد جلالته أن الكنيسة لها مواقف مشرفة عبر التاريخ، وتعانقت منارتها مع منارة الأزهر الشريف، ونثمن دورها في ترسيخ قيم التسامح ونشر المحبة والسلام.
وكانت زيارة جلالة الملك لهذين المنبرين الدينيين المهمين في المنطقة تأكيدًا لاهتمام جلالته وحرصه على تدعيم المؤسسات الدينية الوسطية لتكون قادرة على محاربة التطرف والإرهاب باسم الدين وتمارس دورها المنشود في حماية الشباب من الانضمام إلى المنظمات الإرهابية.
كما كانت الزيارتين من جلالة الملك رغبة في تعزيز التلاقي والحوار بين الأديان السماوية مما يساعد على نشر السلام والأمن والطمأنينة في ربوع العالم كله ونزع بذور التعصب والطائفية وجهود جلالته في هذا الصدد كبيرة ونتيجة لها نال جلالته جائزة منظمة التعايش بين الأديان والحضارات ومقرها الولايات المتحدة الأميركية في سبتمبر 2014. كما نجحت زيارة جلالته للمؤسستين الدينيتين الكبيرتين في تدعيم أواصر التعاون معهما وما سيتمخض عن ذلك مستقبلا من أوجه تعاون مشتركة.
وتعود أهمية هذه الزيارات الملكية إلى المكانة التاريخية والوطنية التي تحظى بها كل من مؤسستي الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذكسية في نفوس أصحاب الفطر السوية، ليس على مستوى العالم العربي فحسب، بل على مستوى العالم كله، حيث يمثل الأزهر، وعلى مدى أكثر من ألف عام، قلعة الوسطية والاعتدال والفهم الصحيح للإسلام الكامل والشامل، ويعد منارة دينية وعلمية وتوعوية.
والأمر ذاته بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية، والتي يمتد عمرها الآن إلى أكثر من تسعة عشر قرناً من الزمان، وتعد من أقدم الكنائس في المنطقة، ومن أعرقها في العالم كله، وتمثل بمواقفها التاريخية والوطنية والقومية المشهودة على مدار التاريخ قيم العقلانية والدفاع عن الحق وحدود الأوطان وسيادتها ومكتسبات أهلها، وتمثل واحدة من بين الكنائس العديدة التي تشرف البحرين بتواجدها على أرضها، حيث يمارس المؤمنون بها كغيرهم من أصحاب الشعائر الدينية المختلفة حقوقهم وحرياتهم في العبادة.
ويبدو تقدير جلالة الملك لجميع الأديان واضحا في الكثير من المناسبات، حيث منح جلالته قطعة أرض مساحتها 9 آلاف متر مربع لبناء أكبر كنيسة كاثوليكية في البحرين والخليج العربي مما يعد شاهدًا على الانفتاح الثقافي والديني في البحرين.
وقد أشاد بابا الإسكندرية بهذه الروح السمحة التي تتمتع بها البحرين عندما أشار في كلمته خلال اللقاء إلى أن “البحرين صارت بمثابة وطن ثان لكثير من المصريين”، مثمنا “موقف المملكة في احتضانها للمصريين جميعا، وكذلك افتتاح وتسهيل إنشاء كنائس لخدمة كل الطوائف هناك”.
وجاء لقاء جلالة الملك مع أمين عام الجامعة العربية الحالي نبيل العربي، والمنتخب أحمد أبو الغيط ليؤكد حرصه على التباحث معهما حول هموم الأمة ومشكلاتها وكيفية الخروج منها، وتناول اللقاءان الوضع العربي الراهن وضرورة التضامن العربي في مواجهة التحديات التي تمر بها المنطقة.
إن هذه الجهود الكبيرة من جانب جلالة الملك لدعم العلاقات الثنائية بين مملكة البحرين ومصر وتدعيم العمل العربي المشترك ومكافحة الإرهاب والعنف وتدعيم المؤسسات الوسطية المعتدلة كانت من أهم عوامل نجاح الزيارة التي قام بها جلالته لمصر، وإلى جانب ذلك الحب الكبير الذي يحمله جلالته لمصر وأهلها والرغبة الصادقة في أن تعود لأداء دورها الريادي والقيادي في المنطقة.
من جهتها، اتفقت الصحف المصرية الصادرة أمس على أن هناك آمالا كبيرة معقودة على اللقاءات التي أجراها عاهل البلاد مع الرئيس المصري، وكان آخرها خلال حفل العشاء الذي أقيم على شرف جلالته بقصر عابدين أمس، وجولة المباحثات التي أجراها مع كبريات المؤسسات المصرية، خاصة الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، مشيرة إلى أن هذه اللقاءات جسدت حجم التنسيق والتناغم في مواقف البلدين ناحية التحديات التي تواجه دول المنطقة، ما سيسهم إلى حد كبير في معالجة التهديدات التي تتعرض لها دولها.
من ناحيتها، وصفت صحيفة “الشروق” زيارة العاهل لمقر مشيخة الأزهر ولقائه الإمام الأكبر وعددا من كبار العلماء بالمشيخة بأنها الأولى من نوعها، مشيدة بما أسمته فرص التعاون الواسعة بين مملكة البحرين والأزهر، وذلك على صعيد نشر الوسطية والاعتدال، والدفاع عن حياض الأمة ومعتقداتها في وجه كل من يحاول العبث بأمنها وركائز دينها، ونوهت صحيفة الجمهورية بإشادة جلالة الملك بالأزهر الشريف وتأكيد الإمام الأكبر دعم الأزهر الكامل لوحدة أرض وشعب البحرين.
في حين اعتبرت صحيفة “المصري اليوم” أن فعاليات الزيارة السامية للقاهرة كانت مهمة للغاية، وحققت نتائج مثمرة، وذلك نقلا على لسان وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، والذي أشار في تصريح على أهمية القوة العربية المشتركة والتأكيد على دعم البحرين لها والدور المصري الكبير في صيانة الأمن القومي العربي.
وهو ما أكدته صحيفة “الوطن” أيضا، والتي أشارت إلى مضامين الزيارة السامية لكل من مؤسسة الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، وكلمات ولقاء جلالته بفضيلة أحمد الطيب، وبطريرك الكرازة المرقسية، والتي عكست جميعها الموقف الداعم للعاهل لدور المؤسستين الكبيرتين، وتثمين مواقفهما الوطنية المشرفة، خاصة ناحية دورهما في تثبيت أركان الأمن الاجتماعي في كل دول المنطقة، وليس في مصر فحسب، وذلك في إشارة لموقف المؤسستين الرافض التدخل في شؤون دول المنطقة، ووقوفهما دائما ومعا بجانب أمن واستقرار البحرين.
صحيفة “اليوم السابع” من جانبها نقلت تصريحات عدة لفعاليات مصرية اتفقت جميعها على أن الزيارة تسهم في مزيد من التعاون بين مصر ودول الخليج بأسرها، حيث قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة طارق فهمي أن هناك فرصا كبيرة للتعاون والاستفادة المشتركة بين مصر والبحرين سواء على مستوى السياسي أو الاقتصادي، بينما اعتبر رئيس حزب حماة الوطن الفريق جلال الهريدى، أن البحرين ومصر تربطهما علاقات قوية في الجوانب كافة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وأن العلاقات الاستراتيجية العميقة التي تربط البلدين تعد مثالا ناجحا ومتميزا لعلاقات التعاون الاقتصادي القائم على تحقيق المصالح المشتركة.
وتابعت الصحيفة على لسان نائب رئيس مجلس القبائل العربية، ونائب رئيس حزب الغد علم الخولي، إشادته بزيارة عاهل البلاد، والتي تعكس حرص قيادة البلدين على تحقيق انطلاقة في العلاقات المشتركة، وأيده في ذلك رئيس حزب الجيل ناجي الشهابي، الذي أشار إلى أن العلاقات البحرينية المصرية علاقات إستراتيجية وتجسد تضامن البحرين مع مصر في هذا التوقيت المهم وأن البحرين لن تكون هي أو دول الخليج وحدها أمام أي أطماع إيرانية، كما أشار رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية محمد سعيد إدريس، إلى استفادة البلدين من الزيارة، خاصة مع الاتفاقات المبرمة بين الدولتين.