+A
A-

المدني: رفع قضية مصلى العيد إلى القضاء

أصدر إمام جامع جدحفص الكبير محمد طاهر المدني بيانا ردا على ما نشرته إدارة الأوقاف الجعفرية في الصحف المحلية يوم الاثنين الماضي بشأن ملف مصلى العيد في جبلة حبشي، وفيما يلي البيان كاملا:
إننا نؤكد أننا سعينا منذ أن أثار مجلس الأوقاف الجعفرية الحالي هذا الموضوع إلى حل القضية، غير أنَّ إدارة الأوقاف الحالية أسَّست منهجًا من الإعراض والقطيعة مع العلماء والخطباء والأئمة والقيمين على الجوامع والمساجد والمآتم، بل ومع جميع الجهات الرسمية الشرعية في البلاد كالمحاكم الشرعية والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وغيرها، مؤسِّسةً بذلك منهجًا جديدًا يخرج بإدارة الأوقاف عن دورها ووظيفتها في تنظيم شؤون الأوقاف وإدارتها ليجعل منها حاكمًا شرعيًّا مطلقًا يقوم بدور جميع هذه المؤسسات.
واشتمل رد الأوقاف على جملة من المغالطات، فادَّعت بأنها الجهة التي تقدمت بطلب الاستملاك لأرض مصلى العيد في حين أنَّ الوثيقة التي نشرتها واستندت إليها تنص على أنَّ “الأوقاف الجعفرية طلبت تسجيل مصلى العيد الكائن بقرية جبلة حبشي من المنامة وذلك وقفًا على صلاة الأعياد والثابت لدى محكمة البحرين فسجلته الدائرة وقفًا على ما ذكر بعد الإعلان عنه”.
فالأرض بنص هذه الوثيقة موقوفة على صلاة الأعياد قبل طلب الأوقاف تسجيلها، إنَّ ذلك ثابت لدى المحكمة، وإنه بناء على ذلك استجابت المحكمة لطلب التسجيل، وليس لطلب الاستملاك الذي لا تملكه المحكمة أصلاً، ولا نعلم كيف أنَّ الدائرة تقدمت إلى المحكمة بطلب الاستملاك وهي جهة غير مختصة، فهذه المغالطة في استخدام لفظ الاستملاك بدلاً من طلب التسجيل لا يكشف عن نية بيان الحقيقة، كما أنَّ رد الأوقاف يؤسِّس لأمرٍ خطيرٍ آخر، وهو بسط يدها على كل الأوقاف التي تقدمت بطلب تسجيلها بالتصرُّف فيها نقلاً وبيعًا واستثمارًا وتغييرًا في وجوه وقفها، بل وعدم الاعتراف بالوقف إنْ لم تستصدر له وثيقة الوقفية بما يؤدي إلى فقدان الأوقاف الجعفرية مئات من الأوقاف المسجلة فضلاً عن الأوقاف غير المسجلة، وتحويلها عما وُقفت عليه، وذلك ما يُستشف من بيان الرد الذي نشرته الأوقاف؛ إذ إنها أعطت لنفسها الحق في تحويل الوقف إلى غير ما وُقف عليه باستثماره وتوزيع ريعه على المحتاجين، على الرغم من مخالفتها نص الوثيقة المنشورة في وقفها على الصلاة، وهو إغراءٌ للعامة، ودغدغةٌ لمشاعرهم بالإيحاء إليهم أن من حقهم أن تحل مشكلاتهم بالتصرف في أموال الأوقاف.
ولم تقف المغالطات والمخالفات في رد الأوقاف عند هذا الحد، بل تعدته إلى إنكار الحقائق الصريحة؛ إذ ورد فيه أنَّه “لا يوجد أي وقف شرعيٍّ في الأرض المذكورة”، وهو يعتمد على وثيقة تنص على أنَّ المحكمة قد ثبت لديها أنَّ الأرض وقفٌ على صلاة الأعياد.
كما أنَّه وتجاوزًا لسلطة المحاكم الشرعية المشار إليها في اللائحة الداخلية لمجلسي الأوقاف، استقلت إدارة الأوقاف الجعفرية بنفسها في الحكم وإطلاق الفتاوى لصرف الأوقاف عن وجهها، فأوردت في بيانها: “أنه حتى على فرض لو كانت الأرض موقوفة كمصلى فإنه يستحب لمصلى العيد أن يكون مكشوفًا وهو ما يُعبَّر عنه بالإصحار اقتداءً بالسنة النبوية، وبما أنه تم تسقيف الأرض وإنشاء صالة فلا أفضلية في الصلاة فيه عن باقي المساجد”، فهل يجوز لإدارة الأوقاف أو غيرها أن تبطل وقفية أرض موقوفة على صلاة العيد أو صرفها عن وجه الوقف إذا سُقفت؟ مع العلم أنه روعي في إنشاء الصالة ترك مساحة كافية للإصحار. ثم إنه إذا تساوى فضل الصلاة فيها مع بقية المساجد، هل يجوز تحويلها إلى أمر آخر؟ وهل هذا من صلاحيات مجلس الأوقاف أم من صلاحيات المحاكم وجهات الإفتاء؟
والمضحك المبكي أن بيان الأوقاف يستنكر على الإمام إصراره على الصلاة في المكان الموقوف على الصلاة، مع أن هذا الإصرار فيه حفظ للوقف وتوظيفه فيما وُقف عليه، في حين يتغافل عن بيان صلاحية الأوقاف في تحويل الوقف عما وقف عليه والوجه الشرعي فيه، كما لم يوضح لنا البيان السبب في تقصُّد مصلى العيد في جبلة حبشي دون غيره من المصليات والصالات التابعة للمساجد والمآتم.
وفيما يتعلق بمجريات الأمور في هذه القضية نقول: إنه من المعروف أنَّ إمام الراتبة له الولاية على راتبته، وأنه يقيمها في المكان الموقوف عليها، وحتى لو قلنا إن إمام الجمعة ليس له ولاية على مصلى العيد فإنه بعد استقرار إقامته لصلاة العيد سنوات متعددة تنعقد له هذه الولاية، وتستقر له الراتبة، فكيف إذا كان الإمام قد أقام الجمعة في هذا المكان سنتين ونصف السنة مع صلاة العيد وذلك أثناء إعادة بناء جامع جدحفص من قبل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذي اتفق مع والدنا المرحوم الشيخ سليمان المدني - بصفته إمامًا لجامع جدحفص ووليًّا على مصلى العيد - على بناء مصلّى مؤقت على جزء من أرض مصلى العيد لنقل الجمعة إليه، والاستفادة منه بعد اكتمال بناء الجامع لإقامة الصلوات عند الحاجة، وللأنشطة الدينية والتعليمية والاجتماعية.
وبعد اكتمال بناء الجامع وعودة صلاة الجمعة إليه – بعد انتقال إمامة الجمعة إلينا - ارتأينا الإبقاء على المصلى المؤقت الذي أنشأه المجلس الأعلى على جزءٍ من أرض مصلى العيد لإقامة صلاة العيد فيه إذا اقتضت الظروف كما حدث أكثر من مرة، وللاستفادة منه في الأنشطة الدينية والتعليمية والاجتماعية التي تخدم المنطقة وأهلها. وارتأينا تشغيله لتحقيق النفع العام بفتحه لإقامة المناسبات الاجتماعية شأنه في ذلك شأن دور العبادة والصالات التابعة، بما لا يتعارض مع الغرض الذي وُقفت عليه ولا يعطل الوقفية، فاخترنا من المنطقة أحد رجالها لإدارة الصالة وتشغيلها بما يعود بالنفع على مصلى العيد من ناحية، وعلى المنطقة من ناحية أخرى، وذلك مقابل نسبة معينة يحصل عليها هذا الوكيل عوضًا عن جهوده في إدارة المكان، واشترطنا عليه مجموعة من الشروط، منها:
(1) أن يكون تشغيل المكان وتأجيره في حدود الأحكام الشرعية التي لا تتنافى مع قدسية المكان باعتباره مصلى.
(2) ألا يغيِّر الوكيل من صورة المكان كمصلى بتغيير السجاد مثلاً أو بإقامة البناء، مع إمكانية وضع الحواجز المتحركة التي يمكن إزالتها بسهولة كلما اقتضت الحاجة للصلاة.
(3) أن يفتح الوكيل المكان في أي وقت يُطلب منه لإقامة الصلاة أو الأنشطة الدينية أو التعليمية.
(4) أن يكون التأجير رمزيًّا لا يُقصد به الاستثمار والتربح، ليصرف الريع على احتياجات الوقف ومصارفه الشرعية، حاله حال المبالغ الرمزية التي تُدفع لإدارات المساجد والمآتم عند إقامة المناسبات الاجتماعية كحفلات الزواج.
وبعد أن رأينا من الوكيل عددًا من المخالفات والتجاوزات للشروط المتفق عليها ألغينا الاتفاق معه، فقام بالاتصال برئاسة الأوقاف الجعفرية لإقناعها بضرورة أن تضع الأوقاف يدها على المكان، وتؤجِّره له، فكان له ما أراد، والغريب أنَّه ظفر بعقد على منشأة قائمة لمدة 25 عامًا على الرغم من وجود المانع من المدة وصلة القرابة التي تمنع من إبرام مثل هذه العقود، والأدهى من ذلك أنَّ المستأجر قام بعرض المكان للإيجار على أحد الأسواق الكبيرة في المنطقة ليتحوَّل المصلى إلى مخزنٍ للمواد الغذائية وغيرها، مما يعطِّل الوقف تمامًا ويمنع من الصلاة فيه. ولا ندري إنْ كان تأجير المصلى تم بقرار من مجلس الأوقاف أم أنه بتصرف شخصي من رئيس المجلس.
وختامًا، فإننا إيمانًا منا بسلوك مناهج الحكمة والعقلانية، نترفع عن استخدام ألفاظ النبز واللمز والاتهام في الدين والورع كما في بيان الأوقاف، مؤكدين أنَّنا لا نرغب في المهاترات والتراشق عبر وسائل الإعلام، إلا أنَّ الواجب يلزمنا بيان المغالطات التي وردت في البيان، والرد على التأسيسات غير الصحيحة التي قد تؤدي إلى الإضرار بالأوقاف والتصرف فيها بما يخالف أحكامها.
ودفعًا للبلبلة، وحسمًا للقضية، فإننا عازمون على رفع الأمر إلى القضاء الشرعي كونه الجهة المختصة بالفصل في مثل هذه القضايا، محتفظين بحقنا الشخصي في التقاضي فيما يتعلق بالتعدي علينا شخصيًّا وعما ورد في البيان من إساءات.