+A
A-

خالد جناحي يطالب بفرض ضرائب وإلغاء الدعم عن “الكبار”

“بين الأمل والاستعمار”
هموم المنطقة اقتصادياً واجتماعياً كانت على كل لسان في أمسية نادي العروبة، التحديات الدولية والاقليمية والخليجية تقدمت المشهد الدراماتيكي في مطلع كلمات خالد جناحي عندما استشهد بدراسة لمعهد “أوكسفام” العالمي بأن 1 % من سكان العالم سوف يمتلكون 50 % من ثروات الكرة الأرضية بحلول عام 2017 وأن 99 % منهم سوف يمتلكون النصف المتبقي.
نتائج الدراسة أزعجت جناحي كثيراً ودفعته الى القول إن من الأهمية بمكان أن نفهم جيداً كيف نواجه المستقبل..؟ كيف نوزع ثروات الكون؟ ثم على أي أساس يمكن أن نتلمس طريقنا نحو التنمية بالتحديد بالتنمية المستدامة؟
البداية كانت ذلك التاريخ الذى انتهت على يديه حقبة الاستعمار لتحل مكانها حقبة الأمل.. الأمل في التنمية، الأمل في الوحدة ثم الأمل في المستقبل.
بعد 60 سنة من التحرر اكتشفنا أننا في تراجع مستمر والعالم من حولنا ينمو بوتيرة متسارعة، نشاط جامح في آسيا – نمو لافت في أميركا الجنوبية وفي أطراف منطقة الشرق الأوسط متمثلاً في ايران وتركيا واسرائيل.
منذ الثمانينات حتى الآن لم يستطع العرب اللحاق حتى بمعدل التنمية المتحقق في أفريقيا – حتى الأفريقيون سبقونا، والآسيويون تجاوزونا والأمريكيون الجنوبيون اكتسحونا.
خلال 60 عاما اعتقدت الدول العربية أن الأمن سوف يصنع الاستقرار رغم أن الاستقرار هو الذي يصنع الأمن، خلال 60 عامًا والدول العربية تتحدث عن التنمية المستدامة، والتنمية المستدامة تتحقق في كل مكان باستثناء الدول العربية، 60 عامًا والدول العربية تحلم بالوحدة والوحدة تتجلى في أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية، لكنها تأبى أن تكون جزءاً لا يتجزأ من منظومتنا المتفككة وتفضل أن تبقى فقط ضمن موروثنا الثقافي، أى مجرد شعارات في شعارات.
الهوس الأمني العربي في نظر جناحي – هو الذي تسبب في تراجعنا والرعب من عدم الاستقرار هو الذي قاد المنطقة الى عدم الاستقرار.
أرقام صندوق النقد الدولي تكشف أن دول الخليج تأتي بين أغنى 50 دولة من حيث الناتج المحلي الاجمالي، رغم ذلك فإن مجتمعات المنطقة تعاني من نفس المشكلات التي ترتبط بالمستقبل، والتنمية والعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات، نصيب الفرد من الناتج الاجمالي في المنطقة يتراوح بين 45-50 ألف دولار سنوياً - ولكن اذا كان توزيع الثروة عادلاً وصحيحاً فلا توجد مشكلات، المشكلة أن هذا الرقم لا يتم توزيعه بالتساوي على عدد السكان وهنا تكمن المشكلة.

حرام.. حرام
الدراسات تقول إنه خلال 30 سنة مضت فإنه كلما تراجع سعر النفط كلما كان ذلك أفضل للاقتصاد الخليجي، لكننا نضرب أخماساً في أسداس اذا تراجع النفط وأضطربت أسعاره.
لذا والكلام لجناحي – نحن نحتاج الى اصلاح في كل شيء – مشكلتنا أننا نتكلم كثيراً لكننا عند التنفيذ باستثناء دبي – نواجه الإخفاق.. التنفيذ عندنا صفر على الشمال – الشخص المسؤول عن الإصلاح لابد أن يبدأ بنفسه أولاً كي يكون قدوة للآخرين.. حرام والله العظيم حرام.. أن تصبح الشعوب العربية هكذا “لمن غلب”!!
كان المنظمون للندوة قد حددوا لجناحي ربع ساعة فقط لكى يتحدث بحرية أمام نخبة من المثقفين والمسؤولين وكبار رجال المال والأعمال، لكن الحديث امتد لنحو 45 دقيقة تم اقتطاعها من وقت الأسئلة، رغم ذلك كان للمداخلات نفس فعل الطرح، حيث الجميع يرتبط بيقين إقليمي مفاده ان الكلام الكثير لا يغني ولا يسمن من جوع، لكننا لا نمتلك وسيلة أخرى لتشخيص واقع منطقة شاءت الأقدار أن نعيش فيها ونرتبط بأرضها.

اقتصاد اليوم
يقول خالد جناحي بعد مداخلة: اقتصاد اليوم ليس اقتصاداً سلعياً لكنه اقتصاد معرفي، لذلك لابد أن يكون لدينا قدرة على التفكير في زمن نحرم على أنفسنا هذه النعمة ونرفض التعاطى مع المرحلة من خارج الصندوق.
وتطرق الرجل للمؤتمر الاقتصادي العالمي في دافوس والذي يشارك فيه بصورة سنوية منتظمة يقول: معظم العرب الذين يذهبون الى هذا المؤتمر اما أنهم يمثلون النظم الحاكمة أو أنهم جالسون في أحضانها، هذا الواقع مختلف كثيراً عما يحدث في سويسرا مثلاً أن “الوان يكون دائماً فور أول” أي أن الشخص يكون في خدمة المجتمع وأن مصلحة المجتمع فوق كل اعتبار، عندنا يحدث العكس حيث تصبح مصلحة الفرد فوق مصلحة المجتمع وتكون المصلحة العامة باستمرار خارج المعادلة.
مصيبتنا أن البعض مازالوا يترحمون على أيام مبارك والقذافي وصدام حسين وهذا ما يعني أن الناس يحتاجون الى تغيير لم يحدث – يتحدث الجميع بعد انتفاضات “الخريف” عن البناء المؤسسى لكن التنمية كانت مجرد كلام في الهواء.
مشكلتنا مرة أخرى أننا لا نريد أن نبدأ من الأساس، جميعنا يسعى لاعتلاء القمة من الطابق السابع وليس من الطابق الأرضي حيث تكمن بديهيات الصعود ومبادئ الانطلاق، المصلحة الشخصية للأسف الشديد هى الأساس.
ومن دون مداخلة كانت أسئلة المرحلة متدافعة بقوة الى محاضرة جناحي وكان النقط الذى أشبعه الباحثون بحثاً وأمطره المتضررون انتقاداً قد احتل مساحة ليست بالقليلة في الجزء المتبقي من الزمن المسموح به للمحاضرة.. سعر البترول ووفقاً للأرقام التى جاء بها الخبير المصرفي الى نادي العروبة ومن واقع ميزانيات الخليج سنجد أنه سيبلغ 116 دولاراً في عام 2015 ولم يتوقع أحد أن يهبط الى هوة الأربعينات من الدولارات.
السعودية مثلاً برمجت ميزانيتها على أساس 80 دولاراً للبرميل وهو ما يمثل عجزاً لا يقل عن 6,5 % من الناتج المالي الاجمالي، في عام 2014 وحده خسرت دول الخليج ما يقرب من 350 مليار دولار بسبب تراجع سعر النفط، الأرقام مرتبة حسب صندوق النقد الدولي والخلاص في تنويع مصادر الدخل وتلك مشكلة أخرى – حيث نتحدث منذ السبعينيات عن تلك السياسة الاقتصادية الضرورية لكننا لا ننوع مصدراً ولا ننتج دخلاً.

صناديق السيادة
الأرقام المفزعة تكشف عن أن بعض دول الخليج خلال الأعوام 2015،2016، 2017 سوف تحتفظ بنحو 2.6 تريليون دولار في صناديق سيادية، وهذا الرقم وفقاً لجناحي يمكن أن يعوض تلك الدول عن ما يمكن أن تقفده من عائدات نفطية مدرجة في ميزانياتها سلفاً.
المشكلة مرة أخرى أن العجز المتراكم قد يصعب المهمة ويضاعف من المشكلة ودولة الامارات على سبيل المثل لا الحصر قد تتمكن بنجاح من التعويض المؤقت لتراجع النفط عن طريق المردود المتوقع لصندوقها السيادي، النجاح قد يستمر الى عام 2019 لكن المشكلة مرة أخيرة تكمن فيما بعد؟ اذن التنويع هنا سيكون مطلوباً ومحتملاً حيث إن دبي بالفعل تقوم بتنويع مصادر دخلها بكفاءة ولكن لابد أن يكون لدى محمد بن راشد شيء آخر غير “ اكسبو 2020 “.
المشكلة للمرة بعد الأخيرة أن الدول الخليجية الأخرى ليست لديها نفس الخطط فالخليج الذي كان يسكنه 5 ملايين مواطن عام 1975 أصبح يسكنه 10 أضعاف هذا الرقم أى 50 مليوناً في الوقت الراهن.
البلوى أن العمالة الأجنبية في عام 1975 لم تكن تتجاوز نسبتها 40 % واليوم 68 %، والمليارديرات الهنود في الخليج أصبحوا يمتلكون أكثر من 50 مليار دولار معظمها من دبي وأبوظبي، فى عام 1975 – هذا الرقم كان صفراً.

الزكاة – الدعم – الضرائب
بالزكاة يمكن أن نعالج جزءاً من المشكلة، يمكننا فى البحرين مثلاً أن نجمع بين 1,5 – 2 مليار دولار من صناديق الزكاة. إعادة النظر في منظومة الدعم يمكن أن يساهم هو الآخر في علاج الاختلالات الهيكلية المتوقعة ولو رفعنا الدعم عن ألبا والبتروكيماويات و بناغاز، ولو رفعناه عن كل من يستطيع أن يدفع سوف نوفر كذلك من مليار الى مليار و200 مليون دينار سنوياً.
هذا الرقم يمكن أن يستخدم في علاج الاختلالات الحاصلة وأضعف الايمان يمكن توفيره للأجيال القادمة هذا اذا كنا لا نريد أن يعمل أبناءنا كسائقين أو خدم في الهند مستقبلاً.

طوق نجاة
هل نحن جاهزون للاصلاح..؟ يتساءل جناحي ويجيب: بالقطع لا.
لذلك تشبث جناحي بالتعليم كطوق نجاة مشيراً الى أن الحديث عن مخرجات التعليم أكبر خطأ ذلك أن المشكلة سوف تظل كامنة في التلقين وليس في التفكير، لذلك فان كرة الثلج المشتعلة كانت تحمل اتهامات بالجملة للجيل الحالي بأنه يرتكب الكثير في حق الأجيال القادمة، لذا لا يجب أن نلوم الا أنفسنا لأننا لا نقبل الاعتراف بالخطأ رغم أن ذلك فضيلة، الخلاص على حد قوله في تعليم صحيح وعلاج أصح ومن ثم يمكن الحديث عن التنويع.
الأرقام التى مازالت ضمن أوراق الخبير المصرفي تكشف عن أن التكنولوجيا تطورت 20 مرة خلال السنوات العشر الماضية وأنها سوف تكون أفضل بمقدار 100 مرة خلال السنوات العشر القادمة، في الوقت نفسه فان البطالة العربية لمن هم أقل من 24 سنة تبلغ نحو 30 % حالياً، وهو يوضح السبب الى أى مدى نحن متأخرون باستثناء دبي.. لماذا دبي..؟ لأن البعض كان يتهكم عليها متسائلاً عن الخطط الخمسية لانهيار دبي لكن دبي تثبت يوما بعد الآخر أنها قادرة على مواجهة التحديات وعلى اجتياز الأزمات – وكل خمس سنوات نرى جديداً مبهراً في الامارة الشقيقة ونجدها تحقق ازدهاراً عاماً بعد الآخر.
لقد أديرت دبي كشركة ولم يتم ادارتها كأى شئ آخر، يقول البعض أن دبي يمكن أن تواجه المشكلات من دون دعم أبوظبي؟ لكننى أقول: أن أبوظبي قد تكون في مشكلة أكبر من دون دبي لذلك يرى أن الاصلاح السياسي ثانوى فالمنطقة تحتاج الى اصلاح اقتصادي وقال: سألوني يوماً عن الثورة فأجبت: لم أفهم شيئاً، وضجت القاعة بالضحك، حيث لا فرق في الجذور والأعراق والألوان والأديان بين كل من يعيش على أرض البحرين، ذلك أن التنوع البشرى الذي أنعم الله به على المملكة يأتي من بين أسباب تحضرها ومحاكاتها للتقدم ومواجهتها للتحديات.
جناحي رغم “نكتته” المتقاطعة عاد لانتقاد سياسيينا قائلاً: لو كان هناك ساسة عرب لتغيرت أحوالنا فالسياسة لا غالب فيها ولا مغلوب، لكننى ارى مغلوباً ولا أرى غالباً، مضيفاً أن القرار الاقتصادي الصح يصحح القرار السياسي الخطأ.
وطالب القطاع الخاص بأن يمتلك زمام المبادرة والمبادأة باتخاذ القرارات الاقتصادية الصحيحة فى الأزمنة الصحيحة والا على منطقتنا السلام.