+A
A-

العاهل على رأس قائمة الحضور في قمة شرم الشيخ:رسالة بحرينية جديدة فحواها دعم الدور المصري إقليميًا

ليس بغريب أن تكون البحرين وعاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة على رأس قائمة الحضور المشاركين في مؤتمر القمة العربية الـ 26 المقرر عقدها بشرم الشيخ اليوم الـ 28 من شهر مارس الجاري، والمخصصة لمناقشة مستجدات الوطن العربي، فإضافة لطبيعة العلاقات التي تربط البلدين والشعبين الصديقين، والتي تتسم بالعمق والرسوخ وتشمل القطاعات كافة، الرسمية منها والشعبية، فإن البحرين لا تدخر وسعا لتقديم العون اللازم لأشقائها، لاسيما الشقيقة الكبرى مصر التي كانت ومازالت خير معين للبحرين وللأمة، وتمثل لها وللعرب جميعا العمق الإستراتيجي الكبير الذي يمكن التعويل والاعتماد عليه.
وتأتي مشاركة جلالة العاهل في القمة التي انتهت أعمالها التحضيرية لتؤكد من جديد ليس فقط جهود البحرين في دعم كل ما من شأنه توحيد الصف العربي، وتعزيز اللُحمة بين دول الجامعة لمواجهة التحديات التي تنال من المنطقة، وتهدد من أمنها واستقرارها، لاسيما بعد انطلاق عملية عاصفة الحزم، وإنما أيضا وقوفها بجانب كل الأشقاء والأصدقاء، وفي مقدمتهم مصر كي تعود مجددا للمكانة اللائقة بها، ولتتمكن من ممارسة دورها الطليعي في المنطقة بعد غياب طال نتيجة لظروف داخلية مرت بها خلال السنوات الأربع الأخيرة، حيث تأتي المشاركة والحضور البحريني في ثاني فعالية يستضيفها منتجع شرم الشيخ في غضون الأسبوعين الأخيرين بعد ترؤس العاهل الوفد الكبير الذي شارك في القمة الاقتصادية الأخيرة التي عُقدت منتصف الشهر الجاري وخصصت لدعم مصر اقتصاديا.

تقدير مصري وجهد بحريني
وكان جلالة العاهل قد تسلم قبل فترة رسالة خطية من أخيه الرئيس المصري تضمنت دعوة جلالته لحضور اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته العادية التي تستضيفها المدينة الساحلية، وهي الرسالة التي عبرت في الحقيقة عن أمور أساسية عدة:
أولها: التقدير المصري للموقف البحريني الداعم لها، وللخطوات التي تتخذها لاجتياز المرحلة الانتقالية التي تمر بها، وذلك سواء على صعيد أوضاعها الداخلية، السياسية منها والاقتصادية، أو على صعيد أدوارها الخارجية، وضرورة تجديد الثقة في الثقل الإقليمي الذي تحظى به القاهرة كقطب مهم بمقدوره إعادة التوازن والاستقرار المفقود في العالم العربي بعد أن تمدد في فنائه الإستراتيجي أطراف وقوى عدة تحاول النيل منه ومن مكتسبات شعوبه.
ثانيها: جهود البحرين، قيادة وحكومة وشعبا، المتواصلة لتعزيز استقرار مصر وأمن شعبها بدليل تلبية العاهل السريعة لدعوة حضور القمة، وهو ما يعني أن المملكة ستظل تعمل من أجل إنجاح الدور المصري التاريخي في قيادة قاطرة العمل العربي المشترك، وأنها لن تتوانى عبر حضورها الفاعل في مؤتمر الجامعة عن خدمة الأمة العربية في هذه المرحلة المهمة من تاريخها، لاسيما أن للقاهرة الحق الواجب في نصرتها وتعزيز موقعها كما نصرت من قبل، ومازالت، قضايا الأمتين العربية والإسلامية.
ثالثها: استمرار البحرين على موقفها الثابت من التطورات في مصر، والتي تكشف عن مستوى عال من الوعي والإدراك بضرورة قيام مصر بدورها، وهنا تبدو المواقف البحرينية العديدة التي تعكس هذا المعنى، والتي لم ولن يكون آخرها كلمة العاهل أمام مؤتمر “دعم وتنمية الاقتصاد المصري.. مصر المستقبل”، وأبرز فيها سموه ضرورة أداء “الواجب القومي والأخوي” تجاه شعب مصر، و”تأمين مستقبلها وتعزيز تنميتها واستقرارها لما لذلك من أهداف عديدة ذات أهمية بالغة ليس لمصر فقط، وإنما المنطقة بأسرها”.
رابعها ـ تجسيد البحرين مفهوم التضامن العربي الحقيقي مع الشقيقة مصر وغيرها من دول الجامعة، خصوصا أن القمة الـ 26 معنية بمناقشة عدد من الملفات ذات الأهمية الإستراتيجية القصوى لحاضر ومستقبل المنطقة بأسرها، ولا يعكس ذلك المبادرات والريادة البحرينية في هذا الاتجاه فحسب، والتي كان من شأنها الدفع بأطر العلاقات الثنائية والارتقاء بوشائج التعاون والتنسيق العربي ـ العربي، وإنما أيضا التعبير عن حرص القيادة البحرينية الرشيدة ومساعيها الدائمة لحماية الركائز التي تنبني عليها نهضة الأمة العربية ومستقبلها، والتي لا يمكن لها أن تمضي قدما دون عمادها وركنها الركين في مصر.
وتزداد أهمية دلالات الحضور البحريني فعاليات القمة العربية بالنظر إلى اعتبارات أخرى عديدة، بجانب ما سبق ذكره، وتنبع في مجملها من الإحساس البحريني العالي بالمخاطر التي تتعرض لها المنطقة، وضرورة الاحتراز منها والتحوط لها، والدفع بالسبل المناسبة لمواجهتها، ومن بين أهم هذه الدلالات ما يتعلق بالأمن والمصير المشترك الذي يربط البحرين بمحيطها، ناهيك بالطبع عن تاريخ العلاقات الوطيدة التي تربط المملكة بشقيقاتها على المستويات كافة.
وواقع الأمر، أنه لم يعد هناك أدنى شك في أن الدول العربية تواجه جملة من التحديات التي بات من الصعب مواجهتها بشكل منفرد، وهي حقيقة أدركتها القيادة البحرينية منذ زمن بعيد، وتعمل بكل ما أوتيت من قوة؛ من أجل تأكيد الارتباط بين دوائر أمنها الوطني والخليجي والعربي والإسلامي والدولي والتكامل فيما بينها، لاسيما في مواجهة المخاطر المتزايدة التي تفرزها تطورات الأوضاع الداخلية وتهديدات البيئة الإقليمية في الوقت الحاضر.

الأمن والمصير المشترك
وبالنظر إلى ما تواجهه البحرين ومصر من تحديات ومخاطر، يجد المراقب تشابها كبيرا بين ظروف البلدين، لاسيما في ظل ما اختبرتاه من هموم خلال السنوات الأربع الماضية، ودفعت إلى توطيد التعاون الثنائي فيما بينهما لمجابهة هذه الأخطار المتصاعدة، خصوصا لجهة محاربة الإرهاب والبواعث الدافعة إليه والتصاعد الملحوظ في رقعة انتشار جرائمه، حيث تكبدت الدولتان منه خسائر عديدة. ولعل تصريح العاهل إثر لقائه سمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد يوم الـ 22 من مارس الجاري يؤكد هذا المعنى، خصوصا عندما أكد “وقوف مملكة البحرين مع أشقائها وأصدقائها صفاً واحداً في محاربة الإرهاب والتطرف، ناهيك عما تتطلبه القضايا والتطورات السياسية الراهنة التي تمر بها المنطقة من أمور”.
ويتأكد هذا المعنى بالنظر إلى المواقف التي أبداها الجانبان، البحريني والمصري، ناحية تطورات الأوضاع الداخلية بهما خلال السنوات القليلة الماضية، والتي عكست حقيقة مهمة لا تتعلق فحسب بارتباط وتكامل دوائر الأمن لكلتا الدولتين، وهو أمر بديهي ومفروغ منه، مثلما أُشير سلفا، وإنما أيضا تعويل كل منهما على الآخر كحائط صد يجابهان به مهددات أمنهما، الأمر الذي يُعبَر عنه برفض وإدانة جميع الأعمال التي تنال من وحدة ترابهما الوطني ومكتسبات مواطنيهم واستقرار مجتمعاتهم، أو تعرقل الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولتان لتجاوز المرحلة التاريخية الراهنة التي يمران بهما والآثار التي لحقت باقتصادهما، وبما يوفر الأجواء الملائمة للانطلاق والبناء والتنمية من جديد.
الأمر ذاته على المستوى القومي، فأمن البلدين المشترك على المستوى الوطني هو جزء من كل متكامل على مستوى الدول العربية برمتها، ومع الظروف الاستثنائية التي تمر بها الأمة، خصوصا بعد التطورات في اليمن، والتدخلات في شؤونها، والفوضى والانهيار التي تضرب أطناب بعض دولها، وصعود أدوار لقوى وأطراف تضمر الشر لشعوب المنطقة بأسرها، بات من اللازم بل ومن الحتمي أن تبادر البحرين بمواقفها الوطنية والعروبية الثابتة مع الشقيقة الكبرى مصر التي تستضيف القمة الـ 26 لانتهاز فرصة اجتماع القادة العرب، والخروج بنتائج جوهرية تصب في دعم بنيان الأمن العربي، والزود عن حياض الأمة، وتعزيز تضامن الشعوب العربية في مواجهة ما يمكن وصفه بأعتى الظروف التي تمر بها المنطقة في تاريخها.
يشار هنا، إلى الموقف المصري الثابت من نصرة القضايا الخليجية والعربية والإسلامية في مواجهة المستجدات، لاسيما لجهتين، إحداها: التصدي لامتدادات نفوذ بعض الدول ذات الأجندات المعادية للعرب، والأخرى: لملء الفراغ الناتج عن تراجع وانسحاب الدور العربي الإقليمي وتقوقعه على شؤون الداخل، والذي تحاول قوى أخرى الحلول محله والقفز فوقه وتجاوزه بالنظر إلى الصفقات التي يمكن أن يتم إبرامها في الفترة المقبلة حول الملفات والقضايا الإقليمية العالقة.
ولا أدل على ذلك من البيان الأخير الصادر عن الخارجية المصرية يوم الـ 23 من مارس الجاري الذي جدد التأكيد على الارتباط الدائم لأمن منطقة الخليج العربي بالأمن القومي المصري، واصفا الأمن الخليجي بأنه “خط أحمر” لا يمكن أن تقبل القاهرة أو تسمح بالمساس به انطلاقا من ارتباطه بأمن مصر. وهو ما يعني بمفهوم آخر، أن القاهرة وبحكم مسؤوليتها التاريخية والأدوار المناطة بها لا يمكن لها أن تترك المنطقة نهبا لأوضاع سياسية وأمنية تتسم بالسيولة، وتلقي بظلالها على بقاء الدول العربية ذاتها، مؤكدا ـ أي البيان ـ “التزام مصر باستمرار العمل والتعاون الوثيق مع أشقائها العرب لمواجهة التهديدات والمخاطر القائمة بما يصون الأمن القومي العربي، خصوصا أمن الخليج العربي”.

تاريخ وطيد من العلاقات الثنائية
مع حضور جلالة العاهل فعاليات القمة العربية الـ 26 بشرم الشيخ، يضاف سجل جديد لملف العلاقات الثنائية الوطيدة التي تربط البحرين بالشقيقة مصر، وهو سجل حافل في الحقيقة من التحركات والاتصالات والزيارات التي لم تنقطع طوال الفترة الماضية، واتسم بالاستمرارية، وغطى كل أبعاد العلاقات المشتركة البحرينية المصرية، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية والتعليمية، وتجاوزت المستوى الرسمي لتشمل كذلك المستوى الأهلي والعلاقات بين الشعبين.
يشار أن السنوات الأخيرة في عمر العلاقات المشتركة البحرينية ـ المصرية شهدت عددا من الاتصالات والزيارات التي قام بها مسؤولو البلدين؛ بهدف تمتين العلاقات الراسخة، ومنها: الحضور البحريني الفاعل في المؤتمر الاقتصادي الأخير بشرم الشيخ منتصف مارس الجاري، المشار إليه سلفا، وشهد لقاء العاهل بالرئيس المصري، ومباحثاتهما الثنائية التي عبرت عن تقدير قيادات البلدين لمستوى العلاقات الذي يربطهما، ورؤاهما المشتركة إزاء الملفات والقضايا المختلفة.
وكذلك مشاركة سموه في يونيو 2014 مراسم حفل تنصيب الرئيس المصري التي اكتسبت أهميتها من أهمية المناسبة ذاتها؛ بوصفها محفلا سياسيا كبيرا حظي باهتمام واسع من جانب الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، وعبرت عن حرص العاهل وتقديره العالي لعلاقات الصداقة مع مصر ورئيسها الجديد، لاسيما أن هذه الزيارة كانت الثانية لسموه في غضون سنة تقريبا بالنظر إلى زيارة سامية أخرى التقى فيها العاهل الرئيس المصري المؤقت آنذاك في أكتوبر 2013، ناهيك بالطبع عن المكالمات الهاتفية والاتصالات الدورية المتبادلة والمشاورات المنتظمة التي عكست في مجملها:
1- مؤازرة المملكة للمرحلة التاريخية الراهنة التي تمر بها مصر، ورسالتها التضامنية القوية التي لابد منها للخطى كافة التي تتبعها لإعادة استقرارها المفقود، وتوفير الظروف الملائمة وإيجاد الآليات المناسبة لإعادة إنهاضها؛ كي تواصل دورها الريادي في محيط المنطقة، ولكي تتمكن وبسرعة من تعويض الفترة السابقة التي غابت فيها عن الساحة العربية وتقوم بالأعباء المناطة بها كطرف إقليمي رئيسي.
2- أن العلاقات البحرينية المصرية نموذج لما يجب أن يسود العلاقات بين الدول العربية وبعضها، وهو ما عبر عنه العاهل في أحد تصريحاته عندما قال إن: “العلاقات الأخوية الوثيقة بين البلدين كانت وستظل دائماً مثالاً يحتذى به في العمل المشترك”، وذلك في إشارة ليس فقط لفرص تنمية العلاقات بين البلدين، وإنما لوجود عدد من التحديات المشتركة التي تفرض هي الأخرى العمل معا وبشكل متكاتف بين الجانبين للتصدي لها كالتحولات السياسية والاجتماعية العنيفة التي شهدتها المنطقة والإرهاب ذي الوجه الديني، وغيرها.
3- الجهود الحثيثة لزيادة حركة التبادل التجاري بين البلدين، وتأكد ذلك في طبيعة الوفد الاقتصادي الذي رافق العاهل خلال المؤتمر الاقتصادي الذي خصص لدعم مصر، وضم كبار المسؤولين بوزارتي المالية والصناعة والتجارة، ومصرف البحرين المركزي، ومجلس التنمية الاقتصادية، وشركة ممتلكات البحرين القابضة “ممتلكات”، إضافة إلى نخبة من ممثلي الشركات والقطاع الخاص وقطاع الأعمال في العديد من المجالات الحيوية، ومنها النفط والغاز، والبتروكيماويات، والسياحة، والأغذية، والإنشاءات، وتوجيهاته السامية لهم؛ لبحث سبل توسيع نطاق التعاون الاقتصادي والاستثمار المشترك بين الجانبين.