+A
A-

التنمية البشرية... رؤية ملكية تتحقق على أرض الواقع

المنامة - بنا: قامت رؤية جلالة الملك للتنمية البشرية على إستراتيجية واضحة المعالم تنظر إلى تطبيق المفهوم الحديث لها والذي يعتبر الإنسان هو غاية التنمية وهدفها وليس أداة أو وسيلة لها فقط، وقد استندت هذه الإستراتيجية إلى محاور رئيسة عدة أكدتها دراسات علمية رصينة، وهي:
المحور الأول: الارتباط الوثيق بين العمل على تحقيق التنمية المستدامة، والإنجاز المحقق في مجال التنمية البشرية بأبعادها المختلفة.
المحور الثاني: أن التنمية البشرية تقوم على سياسات ثابتة ومتزنة وتسير باطراد، وتراعي عدم استيراد نماذج أو أفكار أو أطروحات غير ملائمة لظروفها.
المحور الثالث: منهج العمل المتكامل الذي يربط بين النجاح في سياسة ما والنجاح في سياسات أخرى، حيث إن تحقيق درجات جيدة على سلم مؤشر التنمية البشرية لا يعني سوى نجاح الدولة في سياستها الداخلية، كما أن هذا النجاح أيضًا يعد ثمرة من ثمار الاستقرار السياسي والعدالة اللذين يشكلان حجر الزاوية في تلك التنمية ومصدر حمايتها من أي محاولة للعبث.
ونتيجة لهذا التخطيط الإستراتيجي للمملكة استطاعت أن تحتل المراتب الأولى عربيًا في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حيث كان موقعها دائمًا ضمن الدول ذات الفئة البشرية العالية، وكان ترتيبها 44 عالميًا هذا العام 2014، كما استطاعت تحقيق أهداف الألفية، التي اعتمدتها الأمم المتحدة في قمة التنمية في نيويورك/ سبتمبر 2000.
وكان للخدمات الاجتماعية التي قدمت للمواطن ومستواها المتطور الذي يضاهي المستويات العالمية دور في ارتفاع معدلات التنمية البشرية في المملكة عامًا بعد آخر، لاسيما بالنسبة للصحة والتعليم والفئات ذات الدخل المحدود، وهي الخدمات التي تعد بمثابة العمود الفقري لقيام الإنسان بمهامه الأساسية والإبداعية، والتي تمثل في ذات الوقت المقومات التي يمكن عبرها حشد وتوظيف ملكات الإنسان وتوجيهها لما فيه صالح الوطن.
في مجال الصحة، يلاحظ الارتفاع الحاصل في ميزانية الوزارة من 3 ملايين دينار العام 1971 إلى 218 مليون دينار العام 2014، وبلغ عدد المراكز الصحية 27 مركزًا موزعة على المحافظات كافة، إضافة إلى 7 مستشفيات حكومية ومجمع السلمانية الطبي والذي يعد صرحا طبيًا كبيرًا ومركزاً تعليمياً وبحثياً للمختصين في مجال الصحة، والذي أصبح لديه القدرة على استيعاب 1200 سرير، ويستقبل يومياً بين 1000 و1500 فرد، ويعمل أكثر من 6500 موظف.
وتتحرك المملكة لتحقيق مجموعة من الأهداف الإستراتيجية أهمها الحفاظ على صحة السكان من خلال تعزيز الصحة والوقاية وتكامل الخدمات الصحية وتوفيرها للجميع وتطوير جودتها والاستدامة في هذا التطوير.
أما التعليم، فكان في طليعة اهتمامات جلالة الملك، باعتباره أحد المحاور الإستراتيجية لضمان الأمن الوطني بمعناه الواسع، إذ بدون نظام تعليمي متطور، يصعب بل يستحيل الحديث عن دولة عصرية تتعامل بكفاءة مع معطيات ومستجدات العصر، وقد استندت إستراتيجية تطوير التعليم على 4 أهداف: رفع مستوى جودة التدريس والتعلم. وتطوير أداء وزارة التربية والتعليم، وإتاحة فرص التعليم للجميع وتشجيع الاستثمار في قطاع التعليم، ورفع مستوى التعليم العالي والبحث العلمي.
وفي هذا الصدد، تأتي المؤشرات الدالة على النجاح في هذه الإستراتيجية المتنوعة؛ حيث يلاحظ أولاً أن سياسة التعليم في المملكة مجانية وإلزامية لطلاب المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وهو ما ساهم في زيادة نسبة الإنفاق العام على هذه الخدمات تزايدًا ملحوظًا، وأنشئت نحو 150 حضانة وروضة، و140 مدرسة ابتدائية، و600 إعدادية، و40 ثانوية، و16 جامعة حكومية وخاصة. ولذلك تضاءلت معدلات التسرب من التعليم واستطاعت استيعاب أكثر من 99 % من الداخلين الجدد إلى المؤسسات التعليمية، كما تثبت المؤشرات أن معدلات محو أمية الكبار في الفئة العمرية (15 سنة فما فوق) قلت من 17.9 % العام 1990 إلى أقل من 10 % حاليًا، وإلى 1 % فقط في الفئة العمرية من 15-24 عامًا.
وعلى هذا، جاءت البحرين ضمن الفئة الأولى من الدول التي حققت الأهداف الأساسية لبرنامج الأمم المتحدة الخاص بالتعليم للجميع وفقًا لليونسكو.
وفي مجال العمل، عملت البحرين في عهد جلالة الملك على تطوير برامج وأنظمة للارتقاء بالقوة البشرية، ما يحد أولاً من صفوف العاطلين، وبما يتناسب مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل، فقد دشنت وزارة العمل مشروع توظيف وتأهيل البحرينيين بكلفة (13) مليون دينار بحريني، في ظل تدفق ما بين (7) آلاف إلى (8) آلاف خريج إلى سوق العمل سنوياً. ويستهدف المشروع، توظيف وتأهيل (10) آلاف باحث عن عمل.
كذلك تم تطوير برامج التدريب المهني وتحديث وسائله؛ وتشكيل المجلس الأعلى للتدريب المهني ومعهد البحرين للتدريب، والتدريب بالمجالس النوعية.. علاوة على البرنامج الوطني للتوظيف والتدريب، وإصدار قانون التأمين ضد التعطل في يونيو 2007، وتعديل وإصلاح سوق العمل، ومشروعات مثل مشروع المرصد الوطني للقوى العاملة ومشروع المعايير المهنية الوطنية.
وحظي البعد الاجتماعي بأولوية متقدمة لدى جلالة الملك باعتباره الأساس الذي يوفر للمواطن سبل العيش الكريم وتأمين مستقبله ضد الأخطار، حيث سعت المملكة لتحقيق أهداف عدة أبرزها تطوير خدمات الرعاية والتنمية الاجتماعية، والاهتمام بالأسر المحتاجة، والتأكد من إيصال المعونات والمساعدات إليها، وتطوير المجتمع المدني ورعايته.
ووصل حجم الميزانية المخصصة للأسر محدودة الدخل 105 ملايين دينار في ميزانية 2014، وتعمل المملكة لتحويلها إلى أسر منتجة، وأنشئ بنك الأسرة، وخصص جلالة الملك برأسمال 20 مليون دينار لصندوق الضمان الاجتماعي.
يضاف إلى ذلك السياسات الخاصة بحماية الطفولة والأمومة ورعاية المسنين والإرشاد الأسري، وقد أنشئ في هذا الإطار المركز الوطني لحماية الطفل، واللجنة الخاصة بكفالة الأيتام التابعة للمؤسسة الخيرية الملكية.
وتعد العلاقة بين تنمية القطاعات الحيوية وتنمية الإنسان بشريًا واضحة، فإذا اعتبرنا أن الأول هو الجانب المادي للتنمية، فإن الجانب الآخر هو المعنوي لها، ولذلك فإن توفير خدمات الإسكان والكهرباء والمياه والاتصالات والمواصلات، هي الأساس اللازم الآن لكي يستطيع الإنسان بما يملكه من طاقات وملكات أن يستخدمها ويوظفها التوظيف الأمثل.
ووفق هذا المنطق، اتخذت إستراتيجية جلالة الملك التنموية ثلاثة اتجاهات أساسية، أولها: يتعلق بالنهوض بقطاعات البنية التحتية كإنشاء الطرق والجسور وصيانتها وتوسعة شبكة المياه والصرف ومعالجتهما وتوسعة طاقة الكهرباء والماء وتحديث أجهزة الملاحة وتطوير الموانئ الجوية والبحرية.
ثانيها: يعتمد على إنشاء المدن السكنية الجديدة التي تساير احتياجات النمو المتزايد للسكان.
ثالثها: يهدف إلى تجديد المدن والقرى القائمة للارتقاء بمستواها والحفاظ على التراث التاريخي بها.
في مجال الإسكان تبين الأرقام والإحصاءات بشكل واضح الجهود الكبيرة المبذولة من جانب الدولة في توفير الخدمات الإسكانية للمواطنين، وقد أشارت بذلك قائمة الخدمات الإسكانية التي تم تقديمها للمواطنين من العام 1960 إلى العام 2009م حيث بلغت 25.500 ألف وحدة سكنية، وأن القسائم السكنية بلغت 10.750 قسيمة، أما القروض الإسكانية بلغت 47.750 ألف قرض، أما عدد شقق الإيجار بلغت 4.500 شقة، فأصبح العدد الكلي للخدمات الإسكانية في هذه الفترة 89.500 ألف خدمة إسكانية.
ومن الجانب الثاني فإن قائمة الخدمات الإسكانية التي تم تقديمها للمواطنين من العام 2010-2014 تشير إلى أن الوحدات السكنية بلغ عددها 8.395 وحدة سكنية، وأن القسائم السكنية بلغت 1.257 ألف قسيمة، والقروض الإسكانية بلغت 9.424 ألف قرض، وبالنظر إلى جملة الأرقام بين الفترة المشار إليها من (196-2014م) فإن مجموعة الخدمات الإسكانية 108.576 آلاف خدمة إسكانية، حيث بلغت كلفتها المالية حوالي 3.3 مليارات دينار بحريني. إن الأرقام تشير إلى أن نسبة الزيادة السنوية في عدد الوحدات والقسائم والقروض الإسكانية قد ارتفعت بشكل واضح، وقد استفاد أكثر من 65 % من المواطنين من الخدمات الإسكانية، وأن 85 % متوسط نسبة الصرف في السنوات 2011-2014.
وبالنسبة لعدد المواطنين المستفيدين من القروض الإسكانية وقيمتها المالية من العام 2011م وحتى شهر أغسطس 2014م عدد 9.424 شخصا، وفي العام 2011م بلغت عدد القروض 1775 قرضا، وفي العام التالي منه بلغت القروض 1810 قرضا، وفي العام 2013 1757 قرض، وفي العام الحالي 2014م ارتفع عدد القروض إلى 1900 قرض.
وفي قطاع الكهرباء والماء، تحرص المملكة على تطوير شبكات نقل وتوزيع الكهرباء والماء حسب إستراتيجيتها ورؤيتها لمواكبة التطور العمراني الناتج عن النمو السكاني المتزايد في المملكة وكذلك التطور الذي صاحب النهضة الاقتصادية والاستثمارية.
وتدعم الدولة قطاعي الكهرباء والماء، وقد زاد الدعم في ميزانية العامين 2013 و2014 ليصل إلى 350 مليون دينار عن كل عام الأمر وبنسبة 48 %، مقارنة بالعام 2007، الذي كان فيه مبلغ الدعم 168 مليون دينار بحريني.
وزاد نصيب المواطن من الكهرباء ليفوق متوسط نصيب الفرد في بعض البلدان الصناعية الكبرى. وتبنت المملكة نهجًا متكاملاً يسعى إلى تعزيز وفرة المياه وصلاحيتها من خلال إدارة شؤونها بكفاءة عالية وبناء المشاريع الإستراتيجية والمنشآت اللازمة لتنمية المصادر المائية غير التقليدية، وكان من نتيجة ذلك أن ارتفع معدل استهلاك الفرد إلى 500 لتر يوميًا أي (111 جالونًا)، وهو معدل مرتفع مقارنة بالمقاييس العالمية والتي تبلغ 40 جالونًا في اليوم فقط.
وبالنسبة لقطاع المواصلات وصلت نسبة النمو 5 % عام 2013، وبزيادة قدرها 3.4 % عن العام 2012. وشهد القطاع نسبة نمو سنوية بلغت 9.8 % من العام 2000 إلى 2012، أما قطاع الاتصالات فقد انعكس تطبيق سياسة الانفتاح والتنافسية والتحرر الاقتصادي إيجابا على تقديم خدمات متطورة وبأسعار تنافسية تلبي مصالح المستهلكين، وزيادة مساهمة القطاع في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث ارتفعت عائداته من 409 ملايين دينار العام 2012 إلى 423 مليون دينار العام 2013 ليسهم بنسبة تتراوح بين 3-4 % من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي مجال الحكومة الإلكترونية، أحرزت البحرين تقدما ملحوظا في تقرير الأمم المتحدة لجهوزية الدول للحكومة الإلكترونية 2014 وقياس جودة تقديم الخدمات الإلكترونية لتتصدر مملكة البحرين خمس مناطق جغرافية، وتتقدم إلى الترتيب 18 في جهوزية الحكومة الإلكترونية على مستوى العالم بعد أن كانت في الترتيب 36 في تقرير 2013 و42 في تقرير 2008 من بين 193 دولة.
إن الاستعراض السابق يؤكد أن المملكة قدمت منذ تولي جلالة الملك أمانة المسؤولية تجربة فريدة عنوانها: “الاستثمار في الإنسان” الذي بات عنوانًا لكل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي تبنتها ونفذتها، ولم يكن الاستثمار في الإنسان مجرد شعار رفعته، ولكنه أصبح هدفًا إستراتيجيًا سخرت الإمكانات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كافة لتحقيقه.
وهي في هذه السياسة المتقدمة تنتهج خطى مرسومة بدقة تنحو بها إلى المستقبل.. وقد ضمنت لها هذه السياسة النجاح بأقل الموارد والحفاظ على هذا النجاح دون انقطاع، بل ورفع مستواه إلى مستويات ربما عجزت عنه دول شاسعة المساحة وكثيرة الموارد.