+A
A-

لحياة سعيدة وطويلة... تعلّم أن تنسى!

لآلام الماضي والمظالم القديمة طريقة لإبقائنا دوماً قيد مساراتنا، غبر قادرين على المضي قدماً أو اختبار الفرح.
وقد يتطلّب تخطّي الماضي إعادة تأهيل جذرية.
إليك الطريقة.
أمعن النظر، قد يعكّر ظلٌّ طويل صفو مستقبلك، وما هذا الظلّ إلّا ما تسبّب فيه الألم الذي أصابك في ماضيك، ألمٌ تمثّل في غياب أحد الوالدين، أو خيانة الشريك السابق أو إهانة وجّهها إليك الرئيس في العمل.
ربّما تكون أسير مكانٍ ما بفعل خياراتٍ غير موفقة سبق أن اتّخذتها، كالوظيفة التي وجب أن تستقيل منها في وقت سابق، وأسرار العلاقات التي تبقيها طيّ الكتمان وزيارة الطبيب التي أجّلتها.
من بالغ السهولة حتى الدهشة أن تمسي أسير ظلمة الذكريات السيئة، إنّها رمال عاطفية مغرقة تهبط بنفسيتك بقوة.
يوقع بنا الماضي أحياناً في شرخ امتدادٍ غير مضبوطٍ للفوضى يأتينا من كلّ حدبٍ وصوب، فيطيح كلّ ما هو جديد وممكن.
أو يستولي الماضي نفسه على كلّ أحلام اليقظة الخاصة بك، فيعيد تذكيرك بقلقٍ شديد بخساراتك الدفينة، أو المظالم السالفة التي تعرّضت لها، أو الذنوب المزعجة في شأن الأخ الذي عذّبته أو الصديق الذي خذلته.
ربّما من غضب عارم تجاه أحد الوالدين الذي قلّل من شأنك أو تجاه نفسك لأنّك صدّقت ذات يومٍ أكاذيب أحدهم.
الرغبة الملحّة في تصحيح الأخطاء التي يمكن محوها، وإعادة النظر في الألم الذي وجب أن تتمتّع بحمايةٍ منه، والتعلّق بحبّ غاب عنك، والاستغراق في التفكير، وأخذ الثأر، هذه كلّها ميولٌ طبيعية، إلى حدٍّ ما ووقتٍ ما.
من الأمور البديهية في علم النفس أنّنا اليوم بعضٌ من إعادة تركيبٍ لما كانت عليه أيّامنا التي ولّت، لابدّ إذاً لنا أن نلقي غالباً نظرةً إلى الوراء، إذا ما شئنا أن نمضي قدماً بحكمة.
لكن ثمة مرحلة ما يمسي فيها تقدير الماضي وتقييمه أشبه بالعلكة التي تلتصق بحذاء نفسيتك، فتبقيك أسير مكانك وتعرقل مضيّك قدماً.
فلا تختفي، مثلها مثل العلكة، بمفردها، وتتطلّب أن تنزعها بنفسك.
لا تكمن القوّة في تخطّي الماضي بشكلٍ أساسي في طبيعة الأحداث نفسها، هذه طبعاً مهمّة، لكنّ المهمّ أيضاً الخطوات إلى الأمام التي يبدي المرء استعداده لاتّخاذها حتى يرفع هذه الصخرة العاطفية أو تلك، ويرمي بها بعيداً.
ويتضمّن التحرّر من هذا القيد تذكّر الجرح ومقاربته مجدّداً من زاوية مختلفة وأكثر تعاطفاً. وقد يعني المضي قدماً لإعادة تشكيل علاقة حتى تغدو فيها أقلّ عطاءً وأكثر واقعيةً.
لكنّه قلّما يعني قطع هذه العلاقات.
التغيير هو المطلوب لا البتر، ويتطلّب التحرّر من هذا القيد أن تكون صادقاً مع نفسك في شأن المشاعر التي تخالجك، أي الغضب، أو الحزن أو القلق، وإن تمنيت ألا تكون كذلك، لكن مع الإصرار على احتمال أنّك ستشعر يوماً ما بتحسّن.
هل هناك أمر ما لا تستطيع تخطّيه؟ قد لا تتخطّاه، لكنّك ستجد له مكاناً آخر تضعه فيه.
قد لا تنساه، لكنّه لا يعود يشغل بالك.
قد لا تزعم أنّه لم يكن أمراً سيئاً، لكنّك تشعر بالقدرة على دمل الجرح، نحن لا نتخطّى الماضي، بل نكتفي بتجاوزه.
يتطلّب إذاً تجاوز الماضي تفكيراً حقيقياً وعملاً فعلياً، إنّ ما نفعله وما نفكّر فيه هو ما يبقي علينا عن غير قصدٍ في مكانٍ مؤلم، يمكن القول إنّه من السهل تغيير السلوكيات، ما إن تكفّ عن التفكير بها.
وعلى نحوٍ أكثر تعقيداً، يشكّل تجاوز الماضي عملاً نفسياً يتطلّب مهارةً كبيرةً، فهو إمّا نسيان، أو إعادة تقييم الخبرة والتخلي عن وجهات النظر القديمة، أو نبذ المعتقدات العزيزة إلى قلبك إنّما الخاطئة (غالباً في شأن ما يجب أن تفعله حتى تغدو سعيداً)، أو إعادة ضبطٍ أدقّ إنّما أعمق لأفكارك ومشاعرك.
نسيان الماضي يعني أنّ أمراً ما يجب أن ينفتح في رأسك وقلبك، هذا التحوّل والتخفيف يبرزان ضدّ مقاومتنا غير المرئية والعنيدة غالباً. إنّ قدراً مهمّاً من هذه المقاومة يتأتّى من أكثر الأمور مللاً، أي عزوف المرء المهول عن التغيير. حتى التغيير نحو الأفضل تغيير ساكنٌ، غالباً يخشاه المرء ويتجنّبه، فنحن مخلوقاتٌ تهوى العادات والجمود.
وتثبت بحوث نفسية كثيرة المقاومة التي تتصدّى حتى للتغيير الإيجابي.
تتمثّل واحدةٌ من أعاجيب المراقبة السريرية في مقدار المشقة الذي يمكن أن يتحمّله الناس قبل أن يقرّوا بالحاجة إلى التغيير.
والأخير دائماً ما يكون مزعجاً، أقلّه في البداية. يلتحم نسيان الماضي مع ما هو أعظم من الوضع الراهن الذي يلتصق بأيّما شدة بالمرء، ويلتحم أيضاً مع الأفكار المشوّهة والمقنعة التي تجعل الاستمرار بالروتين يبدو أمراً عقلانياً وصحيحاً. نستسلم للتفكير السحري (إذا جنيت مزيداً من الأموال، ستعود إلى أحضاني)، والأوهام “عليّ الاستمرار في تركيب هذا الدليل”.
يمكن بطريقةٍ ما أن يَثبت أنّني على حقّ إذا ما تمسّكت به، والأخطاء المنطقية المهولة التي نقترفها (لم يقدّر أولادي أو يُبدوا إعجابهم بمجموعاتي، لكنّهم سيفعلون يوماً ما).
يشكّل كلّ نمط تفكيرٍ حجةً ماكرة ضدّ نسيان الأمور.
ويجب منازلة كلّ واحدٍ من هذه الأنماط وإعادة كتابتها قبل أن ينفتح قلبك وعقلك حقاً على حالة جديدة.
وفي أكثر المستويات عمقاً، يجبرنا احتمال نسيان الماضي على مواجهة ثلاث من أقوى مسيراتنا العاطفية: الحبّ، والخوف والغضب.