+A
A-

أزمة الثقافة هي أزمة مثقف يكتب تنويراً بعقل مظلم وهذا هو التناقض

البلاد - اسامة الماجد
إخلاص متناه للكتابة، يدافع عن الإنسان أيا كان لونه في أعماله الأدبية، في كتاباته شيء من الإبداع النادر أو الإشراق الجديد. روائي يحمل معه أشعة جديدة وله أسلوب متميز متفرد. في رواياته يرفع مشعل العدل والإنسانية والمحبة والمساواة، إنه الأديب والروائي السوري المقيم في دولة الكويت الشقيقة عدنان فرزات، أحد ابرز الأدباء العرب الذين أدخلوا معاني الحب الإنساني العام في أعمالهم.

“البلاد” التقت بالروائي فرزات في هذا الحوار:
يمتاز المثقف بأن له رسالة قومية وإنسانية في الوقت نفسه، فهو لا يرتبط بمصلحة بل قضية، ما هي قضية عدنان فرزات؟
رسالتي هي أبعد من الرسالة القومية، إنها رسالة كونية، أهتم بالإنسان أينما كان بغض النظر عن قوميته أو جنسيته أو عقيدته أو مذهبه. في أعمالي الروائية أمد قلمي إلى الإنسان البسيط الذي يتعرض لشتى أنواع الاستغلال من قبل المتنفذين، أحاول أن أطرح قضاياهم وأصنع لهم جسراً ليمروا من فوق المتربصين بهم.

هل هناك محاذير في الأدب؟
هناك “أدب” في الأدب، المحاذير أمر يصنعه الكاتب لنفسه من عدم استغلال قدرته بالكتابة للإساءة، باعتقادي الشخصي الأمور السماوية هي التي يجب أن لا يثير الكاتب نعراتها، وإذا كان شجاعاً فليتعرض للفاسدين. وما تبقى من قضايا دنيوية فله أن يكتب ما يشاء باستثناء أن يكون محرضاً أو مستهزئاً بمعتقدات وقناعات الآخرين، يحق للإنسان أن يتناول أية قضية من دون تجريح ولا تهميش ولا إقصاء للآخر. اليوم بعض المثقفين لديهم نعرات مخفية أكثر حتى من العامة، ويدّعون أنهم يؤمنون بالحوار والتعددية، هذه كذبة كبيرة يمتهنها بعض المثقفين الفئويين.
يقول عبدالقادر القط “المغامرة أن يخرج الأديب عن الطريق المألوف إلى طريق جديد يكون فيه رائدا، ما رأيك؟
كلام منطقي جداً، منه يرحمه الله، فإذا لم يأت الكاتب بشيء جديد، فلن يراه الناس، لأن الكاتب المقلد يذوب في الأشخاص الذين قلدهم ويتلاشى بهم. الكتابة المتميزة هي الكتابة المنفردة خارج سرب السابقين، لا تحمل إلا ملامح منهم لا تُرى، إذا كتاب الكاتب مثل غيره أو مثل القارئ فلن يدهش أحداً.
هل تتفق معي في أن القصة القصيرة الآن تقف في مأزق؟
ليست القصة وحدها في مأزق، وإن كانت هي الأقل حظاً اليوم من الشعر والرواية، القصة العربية هي فن تائه لم يجد من يتميز فيه بشكل مبهر مع تقديري لكل المحاولات المتميزة ولكنها لم تؤسس لفن قصصي له قواعده التي يمكن أن تبني الأجيال فوقها.
وأنا أقرأ بعض سطور روايتك قبل الأخيرة أشعر بأنك تعطي روحا جديدة للرواية العربية، فهل هذا التزام؟
أشكرك على حسن ظنك، أحاول أن أكون كذلك، من خلال الخروج على الرتابة مع إضفاء صبغة شاعرية والتطرق إلى مواضيع لم يمر عليها الروائيون كثيراً.
أكثر أنواع الأدب صلابة “المسرحية”، ما علاقتك بالمسرح ولمن تقرأ؟
لدي مسرحية واحدة بالاشتراك مع الدكتور سليمان آرتي من الكويت، بعنوان “عنق الزجاجة” وقدمها المعهد العالي للفنون المسرحية في المهرجان المحلي العام الفائت، أحب مسرح بريخت بالدرجة الأولى، أما المسرح العربي فهو متأخر جداً ولا يوجد فيه حل وسط، فهو إما نخبوي خاص بالمهرجانات وإما تجاري خاص بالأعياد.
شخصيا أرى ان تسعين في المئة من الأدباء الشباب لا يعرفون عن التيارات الفكرية المتباينة... ما رأيك؟
ربما ظلمتهم بعض الشيء، اليوم هناك نهضة شبابية في الكتابة، وأتحدث من خلال تجربتي في عالم الثقافة بأنه في السنوات الأخيرة، ظهرت مجموعات شبابية متميزة وطرحت أعمالاً مهمة، بل إن الذي فاز بجائزة بوكر العام الفائت هو الكاتب سعود السنعوسي من جيل الشباب عن روايته “ساق البامبو”.
الأدب وسيلة من وسائل التعبير، ولكن مع الأسف نحن العرب لم نستخدم هذه الوسيلة الاستخدام الناجح، تعقيبك؟
هناك فجوة تواصل بين الأديب والجمهور، الكاتب العربي تنقصه المقدرة على الوصول إلى الناس، أيضاً هناك ضمور في ثقافة القراءة لدى الإنسان العربي على عكس الإنسان الغربي الذي رغم أن بلاده هي المنتجة للتكنولوجيا البصرية والسمعية، إلا أنه لا يتخلى عن الكتاب الورقي فيصطحبه معه في كل مكان بما فيها محطات السفر والانتظار عند الطبيب.
ماذا استفدت من العمل في مؤسسة أستاذنا ومعلمنا عبدالعزيز سعود البابطين؟
الاستفادة الأولى وبكل صدق كانت من سلوكه المتميز والأخلاقي في تعامله مع الناس، فلديه شخصية صنعها بإتقان شديد ودقة متناهية جعلته مميزاً عن جدارة. الاستفادة الأخرى هي كيف أحب الثقافة كهواية وليس فقط كاحتراف، وسأنتج فيها أكثر لو عاملتها كرسالة إنسانية وحضارية عن قناعة بها. واستفدت منه روح التسامح العالمية التي ينشرها من خلال برامجه في حوار الحضارات.
هل تتواصل مع الأدباء والمفكرين الكويتيين؟
بالطبع، ومتابع جيد لكل كاتب وشاعر ومهتم بالأدب الكويتي لأنه يتطور باستمرار.
يعيب على المثقف في بعض الأحيان خضوعه لمقتضيات التطور التكنيكي واتجاهه الى الإسفاف من اجل كسب رضا الناس، هل هذا صحيح؟
صحيح بنسبة معينة، فبعض المثقفين يعتقدون أنهم إذا سايروا الرأي العام فسوف يكسبون شعبية، بينما دورهم هو العكس، توجيه الرأي العام حين يكون هذا الرأي خاطئاً، حتى لو خسر المثقف شعبيته، لأنه سوف يعاود اكتسابها لاحقاً عندما ينقذ الجمهور أو يثبت ان كلامه كان صحيحاً.
من تعرف من أدباء مملكة البحرين؟
أعرف الأدب البحريني بغالبيته، ومعروف أن في مملكة البحرين ثقافة متميزة في المنطقة وحركة إبداعية دءوبة جديرة بالاهتمام.
مشروعك القادم؟
للتو أصدرت روايتي الخامسة “تحت المعطف”، ولكن مع ذلك فأنا لا أركن إلى الأمس، سأبدأ إن شاء الله بعمل جديد.
عدنان... لخص لنا أزمة الثقافة بوجه عام؟
أزمة الثقافة هي أزمة مثقف يكتب تنويراً بعقل مظلم، هذا هو التناقض المسبب للأزمة.
كلمة أخيرة؟
باقة شكر كبيرة لكم، وللثقافة في مملكة البحرين التي هي مدرسة قائمة بكل اقتدرا.