+A
A-

وكالة “عزيز” للأنباء... الأقوى والأسرع انتشارا

بقلم السيد البابلي
وفي أي مكان وفي أي مصلحة أو وزارة أو هيئة فإن هناك شخصية محورية تمثل رمزا للمكان مهما تغير المسؤولون والوزراء. وفي وزارة الإعلام البحرينية يوجد “عبد العزيز الخاجة” أو عزيز كما يطلق عليه، مندوب قسم الأخبار بوكالة أنباء الخليج سابقا والتي تغير اسمها إلى وكالة أنباء البحرين حاليا. وعزيز لم يكن مندوبا فقط للأخبار لتغطية فعاليات وأنشطة الديوان الأميري ومجلس الوزراء، وإنما كان وكالة أنباء متحركة يحمل معه كل أخبار البحرين وما حدث فيها اليوم وما سيحدث غدا أيضا. ولا نعرف من أين كان عزيز يحصل على هذه الأخبار ويحتفظ بها في ذاكرته دون نسيان، ولكن المؤكد أنها موهبة عززتها وقوتها علاقات شخصية طيبة على أوسع نطاق جمعت بين عزيز وكل مسؤولي الدولة.
ولا يمكن لصاحب هذه الموهبة أن يكتسب كل هذه الثقة إلا إذا كان شخصية ذات سمات خاصة تجبرك على محبتها وتقبل كل تقوله على اعتبار أن ما يصدر عنه سيكون بعفوية وتلقائية وحسن نية.
وكان هذا هو عزيز الخاجة الذي لا أعتقد أن هناك كارها له أو أن هناك من اختلف أو حتى جرؤ على الدخول في منافسة إعلامية معه..
فقد كان عزيز محبا للجميع يعمل طوال اليوم بلا انقطاع.. يرسل الأخبار للوكالة والإذاعة ولا يكتفي بذلك، بل يقوم بالاتصال بالصحف؛ لتأكيد من وصول كل المواد الإخبارية المطلوبة والتعامل معها بشكل يليق بأهميتها.
وفي إجازاته السنوية، ولعبدالعزيز الذي لم يتزوج إلا مهنة الصحافة رحلة سنوية يقضي فيها أسابيع عدة ولا يعود إلا حاملا الهدايا التذكارية لكل من يعرفهم ومن لا يعرفهم أيضا..
وعبد العزيز الذي تقاعد عن العمل قبل أعوام عدة لم ينل ما يستحقه من تكريم ومكانة، فقد ظل زاهدا بعيدا عن المناصب والترقيات مكتفيا بمكانته في قلوب كل من عرفوه، ولكني أتمنى لو أنه وفي احتفال خاص يتم الاحتفاء به وتكريمه كما يستحق.

أعضاء “الشورى” الغاضبون

وعندما قال محمد المطوع إن جلسات مجلس الشورى يجب أن تبث في برنامج إخباري خاص في التلفزيون؛ ليتعرف المواطن على جهود الأعضاء وأفكارهم وأحاديثهم فإن مشكلة من نوع غريب قد صادفتنا ونحن نحاول تنفيذ ذلك.
فجلسات الشورى طويلة, وكل جلسة تستمر ساعات عدة وهناك 40 عضوا بالمجلس يتحدث معظمهم دائما والبرنامج لا يزيد عن ساعة واحدة.. ولا يمكن نقل وإذاعة كل الكلمات.
وزاد على ذلك أن هناك بعض الأعضاء يتحدثون بطلاقة ودون تحضير مسبق للكلمات والتعليقات, والبعض الآخر لا يتحدث دون ورقة مكتوبة يقرأ منها, وأحيانا ما يقرأ بصعوبة وبكثير من الأخطاء.
ودائما.. دائما هناك من يشكو ومن لا يعجبه العجب، وهناك من يتوهم ويعتقد ويصدق أن المؤامرة لا تدبر إلا ضده وأن الجميع يتربص ويترصد به.
وجميعنا نميل إلى اختلاق الوقائع وتصديقها بعد ذلك، فأحدا فينا لا يرى أخطاءه ولا يريد أن يصدق أن به أخطاء، فالأخطاء والعيوب لا ترتبط إلا بغيرنا, وأما نحن فقد خلقنا الله ملائكة!
وذهب من “يشكو من أعضاء المجلس لمحمد المطوع.. يا أبو بشار.. هناك مؤامرة تدبر ضدي لإحراجي وسط الناس”.. وخير.. مؤامرة إيه.. ومين صاحب المؤامرة..
والمؤامرة أنهم لا ينقلون لي حديثا واحدا أو مداخلة أو تعليقا في البرنامج الذي يذاع عن جلسات الشورى..
والمطوع يستمع لصاحب الشكوى ويقول.. إذا كان ذلك صحيحا فهو عمل مقصود.. ولا يجوز ولابد من دراسة الأمر..
واحضروا شرائط التسجيل وكلمات الأعضاء.. ولماذا لم يظهر هذا العضو على وجه التحديد.. ولماذا كلمات الآخر قليلة..
والسبب قد لا يعرفه العضو, وقد لا يلاحظه أحد, ولكن الكاميرا تفضح الوجوه والتصرفات والحركات وتكشف المستور..
والمستور الذي كشفته الكاميرا هو أن هذا العضو عندما يتحدث حاملا ورقة أمامه فإن يده تنتابها رعشة شديدة لا تتوقف ويصبح وجهه مضطربا وغير قادر على التحكم في عضلات الوجه وحركتها.
ولهذا رأينا حفاظا على كيانه أمام المجتمع ألا نظهره على هذا النحو الذي قد يجعله حديث الناس وتعليقاتهم..!
والآخر ارتبط بعادة سيئة وتتمثل في قيامه بتحريك يده يمنة ويسرة أثناء الحديث بشكل تلقائي لا يتوقف.. وعندما يظهر ذلك في الكاميرا فإنه يبدو كما لو كان يقوم طوال الوقت بإبعاد ذبابه لا تطارد أحدا سواه..!
وأتى من كان يشكونا ليقدم الاعتذار ويشكرنا أيضا ويمتدح فينا حرصنا عليه وعلى مكانته, وأحدهم أصبح فيما بعد من القامات التي تحظى بكل احترام وتقدير..

مركز للتدريب التليفزيوني

وكان لابد من ضخ دماء جديدة مدربة ومؤهلة للعمل في مجال الإعلام التلفزيوني والإذاعي, فلم يكن مقبولا أن يظل اعتماد تليفزيون البحرين على عدد قليل من المذيعين والمذيعات يتبادلون الأدوار والظهور في كل البرامج وفي نشرات الأخبار.
وأصدر الوزير محمد المطوع قرارا بتشكيل مجلس إدارة للتدريب التلفزيوني والإذاعي تابع لوزارة الإعلام.
وتوليت مسؤولية إدارة هذا المركز الذي قالت عنه الدكتورة ليلي السبعان الأستاذة بجامعة الكويت بعد أن شاركت في إحدى دوراته التدريبية إنها تتمنى لو شهدت الكويت تشييد مركز تدريبي مماثل للذي في البحرين؛ لما له من دور حيوي ومطلوب في تنمية قدرات الإعلاميين المحليين.
واعتبرت الدكتورة ليلى السبعان المركز البحريني إنجازا حضاريا وإعلاميا مثمرا..
وكنا قد بدأنا بالإعلان في الصحف وفي الإذاعة والتلفزيون عن فتح الباب للراغبين من أبناء البحرين في التدريب بالمركز..
وتوقعنا أن نجد إقبالا محدودا, فقد كان هناك نوع من الإحجام عن العمل التلفزيوني ولم يكن هناك الكثيرون ممن درسوا الإعلام وتخرجوا من أقسامه.
ولكن المفاجأة تمثلت في الأعداد الكبيرة التي تقدمت للمركز..
وما هذا يا شيخ خليفة.. والشيخ هو خليفة بن عبدالله وكان مسؤولا عن الإعلام الخارجي وعضوا في مجلس إدارة المركز.. ماذا سنفعل مع كل هذه الأعداد..
ويقول الشيخ خليفة.. نعقد لهم اختبارا تحريريا في المعلومات العامة وقواعد اللغة العربية ثم اختبارا شفهيا.. ومن يجتاز الاختبارات يلتحق بالدورة..
وبدأنا الاختبارات على الفور, وجدنا أن الثقافة العامة والقضايا الدولية بعيدة عن اهتمام البعض, ووجدنا البعض الآخر لا يعرف أسماء الوزراء وأخطأ عدد منهم أخطاء ساذجة وكان بعضهم بعيدا تماما عن اللغة العربية وقواعدها..
واجتاز الاختبارات ما يزيد عن 50 طالبا انطلقنا بهم في دورة مكثفة للغة العربية والتاريخ والسياسة والصحافة وفن كتابة الخبر والتعليق وإجراء الحوارات التلفزيونية والإذاعية وتقديم البرامج.

عشراوي في المركز

وأضفنا إلى ذلك تجربة جديدة في أن يلتقي الطلاب بالمسؤولين في حوارات مباشرة تزيل منهم الرهبة وتمنحهم الثقة، واستقدمنا عددا من ضيوف البلاد ومن نجوم الساحة العربية للتحدث في المركز مع الطلاب.
فقد أتت الدكتورة حنان عشراوي القيادية البارزة في السلطة الفلسطينية وقضت أكثر من ثلاث ساعات مع الطلاب.. وحاضر الدكتور رفعت السعيد أحد القيادات اليسارية المصرية.. وشارك وزراء من حكومة البحرين منهم محمد المطوع وعلي الصالح وفيصل الموسوي والشيخ فواز بن محمد والشيخ عبد العزيز عطية الله, وكان هناك نوع من الحماس والتفاعل مع المركز انتقل إلى الطلاب الذين دخلوا في منافسة شريفة قوية؛ من أجل أن يحصلوا فيما بعد على فرصة للعمل في هيئة الإذاعة والتلفزيون وقد نجح العديد منهم في اقتحام مجال العمل الإعلامي بكل ما فيه من متاعب وأشواك وإن كان هناك أيضا مجال المتعة والإبداع.
ومما يؤسف له أن هذا المركز لم يستمر في أداء عمله وتطوير برامجه بعد أن غادر الوزير محمد المطوع وزارة الإعلام, فقد كانت الآمال أن يتم تحويل هذا المركز إلى مؤسسة تدريب إقليمية تدرج في إطار منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ويتم من خلاله تقديم دورات تدريبية للإعلاميين الخليجيين بما يعود بفائدة مادية ومعنوية على المركز ووزارة الإعلام البحرينية.
ولكنها العادة التي لا نجد لها علاجا في الثقافة العربية والمتعلقة بانتهاء أي مشروع ما دام صاحبه لم يعد موجودا أو إهمال هذا المشروع؛ لأنه ينسب إلى آخرين, وإن كانت الحقيقة أن السيد نبيل الحمر الذي تولى وزارة الإعلام خلفا لمحمد المطوع وهو إعلامي قدير حقق نجاحا كبيرا في صحيفة “الأيام” وصنع منها مؤسسة صحافية كبيرة قد حاول كثيرا دفع وتنشيط مجال التدريب الإعلامي، إلا أن القائمين على المركز وإدارة التدريب اكتفوا بدورات متخصصة لا تدخل في إطار الإعداد المتكامل لتكوين رجل إعلام يستطيع ممارسة العمل الصحافي أو الإذاعي أو التلفزيوني معا في إطار الإعلام الحديث المتكامل.

الحياة ليست وردية

وفي دوامة العمل اليومي الإعلامي الذي يستهلك الطاقة والوقت ولا يدع مجالا للاستمتاع بالحياة أو العلاقات الاجتماعية فإن العمل الإعلامي مجال لتنافس قد لا يكون شريفا في كثير من الأحوال، ولا تصبح معه الحياة وردية في أحيان كثيرة, فدائما ما تظهر المفاجآت والأشواك التي تنغرز في الجسد بلا رحمة ودائما هناك من يحقد وهناك من يتصيد الأخطاء أو يختلقها, وهناك كذلك من لا يقبل بوجود غيره في هذا المجال إلى جانب الذين أعمتهم النجومية والأضواء فتخيلوا أنهم قادة الرأي في المجتمع فخرجوا بذلك عن رسالة الإعلام في عرض الحقائق مجردة إلى نوع مرفوض من إعلام الوصاية ينتهج أسلوبا مغرضا للحكم على الأشخاص والمؤسسات من واقع معلومات ناقصة أو مصالح شخصية.
والإعلامي الجيد هو من يتعامل مع كل هذه التقلبات بفهم ووعي ويتقبل الصدمات بمرونة ويمتص أحقاد الآخرين وغيرتهم بمزيد من التواضع والعمل الجماعي ويحرص دائما على الابتعاد عن المعارك الجانبية؛ لأنها الطريق إلى دوامة من الخلافات لا تنتهي ولا تجلب معها إلا مزيدا من الأحقاد.