+A
A-

خروج المؤيد والمطوع وزيراً للإعلام

* وزراء لن تنساهم البحرين: العريض وفخرو والشيراوي ومبارك
* ما هي حقيقة الأزمة مع الـ “بي بي سي”؟
* خليفة بن عبدالله يقود الإعلام الخارجي
* فوزية وبسام وقحطان وكريمة نجوم في الإعلام
=======================================================
بقلم السيد البابلي
العام 1995، كانت نقطة بداية جديدة في عملي في البحرين بعد العودة إليها مرة أخرى، فقد تم إجراء تغيير من التشكيلة الوزارية في عدد من الوزراء الذين كان استبعادهم مفاجأة.
وكان من أبرز التغييرات خروج الأستاذ طارق المؤيد من وزارة الإعلام وإسناد هذه الوزارة إلى السيد محمد إبراهيم المطوع إلى جانب احتفاظه بحقيبة وزارة شؤون مجلس الوزراء.
وكان خروج طارق المؤيد مفاجئا لكثيرين، فقد كان طارق المؤيد رمزا مثل بعض الوزراء الذين كانوا رموزا في وزارتهم، تفاعلوا معها وساهموا في وضع كياناتها وتطويرها وتحديد إستراتيجياتها.
فإذا كان طارق المؤيد في الإعلام رمزا فإن السيد جواد العريض في الصحة كان رمزا، وعلي فخرو في التعليم رمزا، ويوسف الشيراوي في الصناعة رمزا آخر، والشيخ محمد بن مبارك في الخارجية قيمة لا تعوض، والشيخ عبدالله بن خالد في العدل والشؤون الإسلامية معلم من معالم الوزارة، أما الشيخ خالد بن عبدالله في الإسكان فهو الأب الروحي لهذه الوزارة إلى يومنا هذا، وإن كنت سأخص الوزير جواد العريض بالحديث عنه فإنه وإن لم يكن طبيبا إلا أنه كان أفضل وزير تولى وزارة الصحة إلى الآن بإدارته القوية الحازمة وبإشرافه على بناء مجمع السلمانية الصحي الضخم، وبتوليه إعداد وتدريب الأطباء البحرينيين وبتوفيره مستوى للخدمات الصحية المتكاملة في المراكز العلاجية تجعل اسمه مقرونا دائما بمسيرة الرعاية الصحية في البحرين.
غير أن الإعلام هو المسيطر والأكثر جاذبية وظهورا على الساحة والمتابعة أيضا.
لذلك كان خروج المؤيد في ذلك الوقت هو الحدث الأبرز الذي تابعته البحرين وتساءلت معه عن الأسباب والدوافع.
ولم تكن هناك دوافع خفية ولا أسباب تقلل من قيمة وقامة طارق المؤيد رحمة الله، وإنما كانت هناك إرادة سياسية في أن يكون للإعلام دور آخر في مرحلة تستدعي توافقا سياسيا ومجتمعيا وخطابا إعلاميا جديدا في التعامل مع وسائل الإعلام الغربية.
وكان السيد محمد إبراهيم المطوع هو الرجل الملائم لهذه المرحلة؛ لتواصله الدائم مع القيادة السياسية، بحيث يمكن مع هذا التواصل أن يكون للإعلام دور وسياسات جديدة أساسها المصلحة الوطنية والإجماع الوطني في مواجهة الأزمات.
وتزامن ذلك مع ظهور احتجاجات وقلاقل داخلية تغذيها قوى سياسية خارجية تحاول فرض هيمنتها على دول الخليج من خلال إثارة وتحريك أزمات داخلية لإضعاف قبضة الحكم وزلزلة أركان هذه الدول. فقد خرجت إيران من الحرب العراقية الإيرانية بمفهوم الدولة المنتصرة التي تريد أن يكون لها كلمتها المسموعة ودورها الإقليمي.
ولم يكن هناك أهم من منطقة الخليج لفرض النفوذ في لعبة الصراع بين المصالح الإيرانية والتواجد الأميركي في المنطقة.
وفي كل صراعات إيران مع الولايات المتحدة فإن منطقة الخليج كانت دائما ما تشهد نوعا من القلاقل متزامنا مع هذه الأزمات. وكان لإيران دور في أزمات البحرين الطائفية، وتأثير بالغ في إدارة الأزمة وتوجيهها.
وكانت الحكومة على قناعة بوجود تدخلات إيرانية في الداخل والخارج أيضا وإن لم تكن هناك دلائل قويه تعزز ذلك وتؤكده.
ولكن الأزمة كانت موجودة في الداخل تغذيها منظمات للمعارضة في الخارج تتحدث عن مطالب شيعية في مواجهة الحكم السني في البحرين وتتهم الحكومة بالتمييز في المعاملة والوظائف والحقوق أيضا.
وتولي المسؤولية الإعلامية في هذه المرحلة كان أمرا فيه قدر كبير من المخاطرة ويحتاج جهدا وأداء متميزا ومختلفا.
فمن يتولى المسؤولية الإعلامية في هذه الأوقات لا يجب أن يكون متحدثا بلسان الحكومة وحدها، ومنحازا لطرف دون آخر، وإنما وزيرا للإعلام البحريني كله بمختلف وجهات النظر والآراء والاتجاهات.
المطوع.. وسياسات جديدة
وأتى محمد المطوع إلى وزارة الإعلام يتلمس طريقة في التعامل مع مجموعة من الموظفين اعتادوا أسلوبا ومدرسة مختلفة في الإعلام..
وبدأ محمد المطوع يفرض إيقاعه الهادئ في منح المسؤولية كاملة لكل قطاع في الإعلام يرأسه وكيل وزارة مساعد وموجها اهتماما خاصا إلى قطاع الإذاعة والتلفزيون؛ باعتباره القطاع الجماهيري الذي ينقل الرسالة الإعلامية ويخاطب المجتمع. ولم يكن سهلا تغيير نهج وفكر العاملين بوزارة الإعلام، فقد اعتادوا أن يتلقوا الأوامر والتوجيهات دون أن تكون لهم إرادة اتخاذ القرار المستقل أو المبادرة بتطوير وتعديل القرار.
وكان محمد المطوع يتحدث عن خطاب إعلامي سياسي جديد فيه المصلحة الوطنية والحوار العقلاني لمشاكل الوطن بعيدا عن تدخلات الخارج والقوى ذات المصالح المتعددة والمتشابكة في المنطقة.
وأشرك محمد المطوع لذلك عددا كبيرا من المثقفين والمفكرين والكتاب والوجهاء ورجال الأعمال في الحوار الإعلامي من أجل إظهار الحقيقة في البحرين وتأكيد النهج الحضاري السائد فيها.
وكان معظم هؤلاء فيما بعد أعضاء في مجلس الشورى الذي ترأسه الأستاذ الفاضل المرحوم إبراهيم حميدان، والذي كان أقوى مجلس للشورى شهدته البحرين برجالاته وقاماته الكبار الذين شاركوا فيه والذين كانت حواراتهم ومداخلاتهم في هذا المجلس شهادة على رقي البحرين واتساع مساحة الاختلاف والمعارضة فيها.
أزمة مع الـ “بي بي سي”
وحاول محمد المطوع أن يوجد حلولا لأزمات مزمنة في التعاملات الإعلامية الخارجية للبحرين.
وكانت أولى هذه الأزمات مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” التي اتخذت موقفا عدائيا ضد البحرين وبالغت كثيرا في التقارير التي كانت تذيعها عن تجاوزات وانتهاكات لقمع الاحتجاجات وعن استخدام الطائرات في مواجهة المتظاهرين.
طلب محمد المطوع من مدير هيئة الإذاعة البريطانية جيمون ماكميلان أن يقوم بزيارة البحرين وأن يشاهد بنفسه واقع الحال..
وأتى جيمون إلى البحرين ملبيا الدعوة في أسرع وقت وكأنه كان ينتظرها، وجلس في حوار مع محمد المطوع كنت موجودا فيه، وأوضح جيمون أن التقارير التي تصله من جانب واحد فقط لأن الجانب الآخر وهو الحكومة يرفض دائما التعليق على الأخبار أو حتى التكذيب والنفي، ولا يتعامل مع الـ “بي بي سي” ولا يسمح لمندوبيها بدخول البلاد..
وكان لمحمد المطوع إجابة رائعة على السيد جيمون.. إذ قال ردا عليه: الحكومة البحرينية والبحرين ليس لديها ما تخفيه أو تخشاه.. لدينا مشاكل مثل كل الدول.. هناك احتجاجات من بعض فئات المجتمع وهناك حوار بشأنها وسعي دائم لإصلاح أي أخطاء وهذا شأن داخلي.. ومع ذلك فبلادنا مفتوحة لمن يريد أن يأتي منكم دون إعلاننا مسبقا ودون تأشيرة دخول.. ادخلوا البحرين ولكن ندعوكم لأن تقولوا الحقيقة كلها.. وأن تشرحوا للعالم واقع الحال..
و”ما هي الحقيقة يا سيد محمد”، سأل جيمون بالابتسامة الإنجليزية الشهيرة التي لا تفصح عن أي معنى..!
وأجاب المطوع.. الحقيقة هي أن لدينا دولة تبذل قصارى جهدها من أجل التنمية البشرية، وتحاول تقديم الخدمات كافة لمواطنيها، فالعلاج يقدم لكل مواطن مجانا،والتعليم مجانا، والبعثات التعليمية للخارج تقدم للجميع لا فارق في هذا بين سني وشيعي فكلهم أبناء البحرين، وهناك جدول زمني لتوفير المسكن الملائم لكل مواطن بحريني.. هل لديكم كل هذه الخدمات في بريطانيا يا سيد جيمون..!
وتجاهل جيمون السؤال.. ليسأل: ومتى يمكن أن يأتي مندوبونا لزيارة البحرين..؟
من اليوم إذا أردتم..
وعاد جيمون ليسأل.. وهل من الممكن أن يتجاوب المسؤولون لديكم للإجابة على استفساراتنا وأن يتحدثوا مباشرة على الهواء معنا..؟
وقال المطوع.. ذلك سيحدث بكل تأكيد، وإذا أردتم قائمة بهواتف وأرقام كل مسؤول فسوف نزودكم بها..
وخرج جيمون من المقابلة ولسان حاله يقول.. سوف نرى!
ولم تطل فترة الاختبار، إذ أرسل جيمون ماكميلان على الفور عددا من المندوبين الصحافيين أعدوا تقارير إذاعية وتلفزيونية بالغة الاستفزاز والانحياز على أمل أن يكشف نوايا المطوع، وهل هو جاد فعلا في السماح لوسائل الإعلام الغربية بحرية الحركة في البحرين أم محاولة لفتح صفحة جديدة وامتصاص للأزمة، ولكن المطوع الذي أتقن اللعبة الإعلامية بسرعة فضل إبداء عدم الاكتراث ورفض أسلوب التكذيب والنفي قائلا.. هم من سيتولون بأنفسهم ذلك.. وليس نحن..!
زيارة إلى لندن
وتلقينا دعوة رسمية من الـ “بي بي سي” لزيارة لندن ردا على زيارة مديرها للبحرين، وسافرنا إلى هناك، ثلاثة من وزارة الإعلام، خليل الذوادي رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون وأحمد الشروقي الوكيل المساعد بالوزارة وأنا.
وفي هيئة الإذاعة البريطانية وبعد جولة مطولة في أنحائها.. كان هناك حوار مع المسؤولين في القسم العربي ومع المحررين العاملين بهذا القسم والغالبية منهم صحافيون عرب أقاموا بالعاصمة البريطانية من العراق ومصر وسوريا وأحدهم وهو حسام السكري “مصري” أصبح مديرا للإذاعة البريطانية فيما بعد.
وكان الحوار إيجابيا، والتفاهم واضحا، فالمشكلة كانت تتعلق بالثقة ونقص المعلومات، وهي أمور يمكن تجاوزها والحوار فيها.
وقمنا بزيارات لكل الصحف العربية والمجلات الصادرة في لندن، وبعضها كان يعيش على ابتزاز الأنظمة العربية خصوصا الخليجية، وكان حوارنا معهم بأننا لن نرضخ أو ندفع لأحد، وأن إنفاق المال البحريني في بناء مستشفى أو مدرسة أفضل من الحصول على إشادة من مجلة أو صحيفة.
وكانت بعض هذه الصحف أيضا موجها ضد أنظمة عربية معينة ووجودها على الساحة مرتبط بالخلاف مع هذه الأنظمة، ولم يكن معظم من فيها من المعارضين الشرفاء، إذ كان غالبيتهم ممن عملوا في خدمة هذه الأنظمة، وعندما تم الاستغناء عنهم تحولوا إلى معارضين.
إدارة للإعلام الخارجي
وعدنا من لندن لنبحث في تشكيل إدارة بوزارة الإعلام تكون مهمتها التعامل مع وسائل الإعلام الأجنبية وإيصال صوت البحرين إلى الخارج، فقد كان هذا العمل من قبل من اختصاص إدارة العلاقات العامة بالوزارة، وهو عمل في حقيقته يخرج من نطاق وظائفهم؛ لأنه يتطلب مواصفات خاصة وعقليات تستطيع التعامل مع التفكير الغربي وتتحاور معه وتتفهمه.
وبحثنا عن أشخاص في مقدرتهم القيام بهذا الدور وتشكيل هذه الإدارة الحيوية الجديدة، حيث وقع الاختيار على الشيخ خليفة بن عبدالله.
والشيخ خليفة بن عبدالله كان يعمل في إدارة السياحة، وهو شاب دمث الخلق، يجيد احترام رؤسائه في العمل حتى وإن كان مختلفا معهم، يتحدث الإنجليزية بطلاقة، وله علاقات جيدة مع جميع من تعامل معهم، ويتمتع بصفات جيدة منها الهدوء وعدم التسرع في اتخاذ القرارات، وإجادة توظيف قدرات من يعملون معه،والأهم من هذا كله هو أن طموحه الكبير يدفعه إلى إثبات ذاته والنجاح في المهام التي توكل إليه.
وجاءت الفرصة للشيخ خليفة بن عبدالله أن يثبت إمكاناته التنظيمية والإدارية في المهرجان الأول للأغنية البحرينية الذي قمنا بتنظيمه في قاعة الجفير.
فلم يكن الهدف من هذا المهرجان أن يأتي مطربون عدة ليتنافسوا على الغناء ونيل الجوائز، إنما كنا نرمز بذلك إلى أن البحرين تغني حتى في أزماتها الداخلية، تغني للحياة والاستقرار، وللأمان وللسلام الاجتماعي، فنحن بلد يعتمد على الأمن والأمان لاستقطاب السائحين والاستثمارات الأجنبية والبنوك والخدمات والشركات..
أردنا من خلال هذا المهرجان أن نقول للعالم إنه لا مكان للعنف والإرهاب على أرض البحرين، فمن الممكن أن نختلف وأن نتباعد وأن يكون هناك احتجاجات ومسيرات وكل وسائل التعبير السلمي، ولكن لا يمكن أبدا أن نسمح بأن تكون بلادنا أرضا لمواجهات بين مواطنيها ولا مكانا يشهد أحداثا للعنف ولا سقوطا لجرحى وقتلى..
وغنينا معا في هذا المهرجان “ملفى الأياويد” وتألق مجموعة من المطربين في غناء جماعي، واشتعل الحماس والتلفزيون ينقل الحفل على الهواء من الجفير في إشارة أخرى على أن البحرين أرض الأمان مهما كانت الخلافات.
ونجح المهرجان الذي تم بدعم من الشركات ومن رجال الأعمال الذين قدموا جوائزه وسددوا تكاليف الفرقة الموسيقية التي أتت من القاهرة لمصاحبة المطربين.
وعندما تولى الشيخ خليفة بن عبدالله إدارة الإعلام الخارجي كنت مشفقا عليه من تحديات المرحلة ومن صعوبة التعامل مع الإعلاميين ورجال الصحافة، ولكن كل المخاوف تلاشت عندما أثبت الشيخ خليفة بن عبدالله أنه ولد لكي يكون رجل إعلام، وأنه بكل صفاته قادر على تكوين أكبر قدر من العلاقات الطيبة في أسرع وقت، ولو كان قد استمر في عمله بوزارة الإعلام بعد أن تدرج في العديد من المناصب القيادية بالوزارة لكان ممكنا أن يكون وزيرا متميزا للإعلام، فقد عرف الوزارة وعرفته وكان قادرا بإمكاناته الشخصية وصفاته القيادية أن يطور الأداء والنهج بها خصوصا مع علاقاته القوية بمؤسسات الحكم وارتباطه بها.
نجوم في الإعلام
وإذا كان تاريخ وزارة الإعلام منصفا، فإن عليه أن يتذكر هذه الفترة الذهبية التي كانت فيها وزارة الإعلام وهيئة الإذاعة والتلفزيون زاخرة بالعديد من الشخصيات التي تمثل نجوما في مجال العمل الإعلامي قدموا الكثير وعملوا بكل الحب والإخلاص للوطن وكان العمل هو محور حياتهم واهتمامهم.
وأذكر من هؤلاء بكل التقدير السيدة فوزية زينل في هيئة الإذاعة والتلفزيون ومعها بسام الذوادي وقحطان القحطاني وأنور أحمد وماريا خوري والراحلة المذيعة القديرة كريمة زيداني والمذيع القدير حسن كمال ومعهم حمد المناعي في هيئة المطبوعات والنشر، والذي قضيت معه أوقاتا رائعة في إصدار مجلة “هنا البحرين”، كما لا يمكن أن أنسى قيمة ومكانه فتاة بحرينية عملت معي في عطاء مستمر طوال ساعات اليوم بقدرة على العمل والصمود، وهي السيدة هدى العامر التي كانت نموذجا للقدرة في العمل في أصعب الأوقات.