+A
A-

كيف نرد جميل الوطن؟

من فوائد مواقع التواصل الاجتماعي أن قربت وجهات النظر وجعلت من العالم قرية صغيرة، اليوم وصلتني دعوة من شخص أكن له كل الاحترام والتقدير، وكنت أتمنى لو باستطاعتي أن اذكر اسمه، ولكنني ترددت خوفاً من التعدي على خصوصيته. الشاهد أنه تم دعوتي لقراءة موضوع في إحدى المنتديات بعنوان “أخجلتنا يا وطن... فكيف نرد لك الجميل؟” وطلب مني إبداء رأيي في رده على هذا الموضوع.
الأزمة التي مرت بها البحرين خيمت بظلالها على جميع جوانب حياة المواطن البحريني الصغير والكبير، رجالاً ونساءً وغيرت مفاهيم وقناعات كثيرة، وشغلت كل مواطن وحركت المشاعر وأججت فينا حبنا لتراب هذا الوطن واصلت فينا قيما ربما كانت غائبة عن أذهاننا، كما أخذت هذه الأزمة نصيب الأسد في الصحافة المحلية وكل ما كان يكتب عن البحرين ويذكر اسم البحرين إلا وكان مسلسل الأزمة مهيمنا على كل ما يكتب.
ماذا بعد الأزمة وكيف نرد الجميل للوطن؟ سؤال يطرحه الجميع ويطمح الجميع إلى الحصول على إجابة شافية مقنعة على هذا السؤال، ولكن في الوقت نفسه يأمل الجميع أن يسمع إجابة تفاؤل، إجابة مستبشرة بغد أفضل وأيام أجمل مما مررنا بها، الجميع دون استثناء ونحن عندما نحلم بوطن أمن وطن مشرق وطن مستقر، فأنا اجزم أن الكل يطمح إلى ذلك وهذه طبيعة وفطرة الإنسان التي فطرها عليه ربنا، فالإنسان دائما يبحث عن الأمان والاستقرار وسهولة الحياة، ونحن إذ نستشهد بقوله تعالى: “فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ”. فالاستقرار والأمان ولقمة العيش الكريمة وسهولة الحياة ويسرها نعم يجب على الإنسان أن يشكر الله عليها، وأن يسعى جاهدا إلى الحفاظ عليها، فالاستقرار غاية الإنسان في الأرض ليعبد الله بأريحية ويعمر الأرض، وهذا ما نبتغيه جميعنا بأن تكون عليه مملكتنا الغالية على قلوبنا جميعا آمنة مستقرة سائرة في مصاف الدول العالمية.
كيف نرد جميل الوطن، وهل أوفينا البحرين حقها علينا؟! للإجابة على هذا السؤل دعونا نعيد فيلم حياتنا ونتمعن النظر في مجرياته وأيامنا التي مضت حتى نجد الإجابة على هذا التساؤل، ماذا قدمنا من أعمال يفخر بها وطننا، ماذا حققنا للبحرين على الصعيد الداخلي والخارجي، ماذا أعطينا البحرين من وقتنا وشبابنا، وهل البحرين فخورة بنا كمواطنين نحمل اسمها؟!
لاشك أن الإنسان باستطاعته أن يخدم وطنه في مختلف المجالات والأنشطة من خلال عمله والإخلاص في أداء واجباته الوظيفية بأمانة وإتقان بجميع المهن والتخصصات من أبسط وظيفة حتى أعلاها مرتبة، فالوطن لا يقوم على مهنة واحدة، ولكن الجميع شركاء في تنمية الوطن كلا في مجال عمله، الأم مدرسة إذ أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق، بنظري هذا البيت الشعري لأمير الشعراء أحمد شوقي يغني عن الإسهاب في دور المرأة (الأم) في خدمة وطنها، علما أن أشرف وأعظم مهنة وأعظم عمل جليل يمكن أن يقدم للوطن هو تربية الأبناء تربية صالحة، بحيث يكونوا لبنة صالحة من لبانات المجتمع الآمن المستقر، ليس هذا مقام ذكر جميع جوانب الحياة التي من الممكن أن يخدم بها الإنسان وطنه.
من منظوري الخاص كنت ومازلت عندما أذهب لأداء العمرة وعندما يقع ناظري على الكعبة المشرفة أول دعاء يذكره لساني الدعاء للبحرين وقيادتها، بل جعلت زوجتي وبناتي يرددن هذا الدعاء معي حتى أصبحت عادة تلقائية لدينا، فيكون نصيب الأسد من دعائي للبحرين وقيادتها وشعبها في هذا المقام الطاهر وفي كل زيارة لي إلى بيت الله العتيق من إيماني بأن للبحرين حق وواجب عليَّ وعلى كل مواطن، وهذا ما يجب أن نؤصله في نفوس أزواجنا وأبنائنا بأن نسعى لرد الجميل، أقلها بالدعاء بأن يحفظ بلدنا آمناً مستقرا، وأن يجنبنا شر الفتن، وألا يمكن الطامعين من النيل من مكتسباتنا الوطنية ويفرق لحمتنا ويشتت وحدتنا.
المرحلة القادمة بحاجة إلى إيجابية وتفاعل أكثر فيما يخص إعادة اللحمة الوطنية وبناء بحرين المستقبل بسواعد أبنائها الشرفاء، تحدثنا كثيرا عن الأزمة وتبعاتها وبنظري، فإن الوقت قد حان لنولي المصلحة العامة الجزء الأكبر من أيامنا المقبلة، كما أن من واجبنا تجاه الوطن أن نوحد الصف ونفكر كيف لنا أن نخدم ونرد جميل البحرين علينا، ولكن دعونا نوضح أمرا مهما، نتطلع للمستقبل، وهو أمر وطني واجب علينا، ولكن في الوقت نفسه علينا أن ننظر إلى حاضرنا ونقيم أفعالنا اليومية ونحلل وندين إن كانت هناك تصرفات خرقاء ممن لا يتوانون عن الإضرار بالبحرين والضرب في مسيرة التنمية والإصلاح المباركة، فمن الواجب أن ندين هؤلاء ونجردهم ونقف لهم حاجزاً منيعاً بالكلمة وبغيرها من الوسائل، كلاً في مجاله؛ لكي نكشف الحقائق ونقف على تداعياتها، فإن تركنا هؤلاء يسرحون ويمرحون كيفما شاءوا، فستغرق بنا سفينة البحرين جميعنا، وعلينا واجب وطني بالرد على هؤلاء وعدم السكوت عليهم، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، ونحن نأمل أن نكون حمائم سلام ومحبة قال تعالى: “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.

عبدالهادي الخلاقي