+A
A-

رحيل كمال الشناوي... دونجوان السينما المصرية

توفي فجر يوم أمس الفنان القدير كمال الشناوي عن عمر يناهز 89 عاما بعد رحلة طويلة في عالم الفن قدم خلالها عددا من الأعمال البارزة. وقد أقيمت صلاة الجنازة عقب صلاة أمس الإثنين في مسجد مصطفي محمود بالمهندسين. وظل الشناوي في صراع مع المرض ليضع الفصل الأخير في ظاهرة الممثل الذي احتفظ بتألقه وحضوره الفني على الشاشة السينمائية لمدة تصل إلى 62 عاما قدم خلالها أكثر من مئتي عمل في السينما والتلفزيون. تقدم الجنازة الفنان أشرف عبدالغفور نقيب الممثلين ونجل الفنان الراحل المخرج محمد كمال الشناوي، وعدد من أعضاء نقابة الممثلين.
وقال أشرف عبدالغفور في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن الأوساط الفنية فقدت نجما كبيرا شاملا استطاع التأقلم في كل الأدوار التي قدمها في المراحل السنية المختلفة، وكان حريصا على العمل طوال الوقت رغم مرضه، وكان يحب عمله ويخلص له من منطلق حرصه على إضافة المزيد من الأعمال الفنية التي تضيف إلى رصيده الفني الكثير. ولفت إلى أن الراحل كمال الشناوي قاوم المرض طوال فترة كهولته، وكان مقبلا على الحياة مرحا كما اعتاد أن يراه الناس.
ولد الفنان الكبير محمد كمال الشناوي الشهير باسم كمال الشناوي في 26 ديسمبر 1922 بالمنصورة بمحافظة الدقهلية، وعاش بداية حياته في حي السيدة زينب بالقاهرة، وتخرج من كلية التربية الفنية جامعة حلوان والتحق بمعهد الموسيقى العربية، ثم عمل مدرسا للرسم بالمدارس الثانوية بالسيدة زينب لمدة سنتين وكفنان تشكيلي أقام مجموعة من المعارض التشكيلية.
وفى العام 1947، شاهده المخرج نيازي مصطفى، فعرض عليه الاشتراك في فيلم غنى حرب الذي تدور قصته حول الأحداث التي أعقبت الحرب العالمية الثانية من قيام بعض التجار المستغلين بشراء البضائع وتخزينها ثم بيعها بسعر مرتفع فوافق على الفور. وكان الشيء الغريب أن المخرجين التفتوا إلى هذا الفتى الجديد الذي يحمل مقومات البطولة، فعرض عليه المخرج حلمي رفله الاشتراك في فيلم حمامة السلام العام 1948، فاضطر إلى الاستقالة من وظيفة مدرس الرسم لينطلق إلى عالم السينما وينافس نجوم السينما وقتها يوسف وهبي وأنور وجدي ونجيب الريحاني. وتزوج الفنان كمال الشناوي أكثر من مرة، الأولى كانت من السيدة عفاف شاكر شقيقة الفنانة شادية. وقد حكى هو عن هذه الزيجة قبل وفاته بعدة سنوات قائلا: “كان من المقرر أن تكون هاجر حمدي زوجتي الأولي وليست الثانية ولهذه الحكاية قصة طريفة فأثناء عملنا معا في فيلم حمامة السلام عام 1948، كسرت هاجر في حياتي أصناما كثيرة، وحطمت فكرة أن الراقصة مجرد جسد، فقد كانت هاجر عقلا، وعقلا كبيرا”. وأضاف “لقد اكتشفت فيها بعد عدة لقاءات قليلة ومن خلال الحوار كان يتضح بين الحين والآخر أنها صاحبة خلفية أدبية كبيرة قرأت لأغلب الكتاب الكبار معظم إنتاجهم، وأنها أيضا متحدثة بارعة تجيد إبراز ما قرأت واستوعبت، علاوة على أن تفكيرها مرتب جدا ومنطقها قوي دون افتعال”. وتابع “وفي أحد الأيام دعتني إلى منزلها، فإذا بي أجد مكتبة عامرة مليئة بالكتب قلما تتوافر لأديب أو صحافي أو رجل فكر، ولم تكن الكتب مجرد أسفار مرصوصة، وإنما انتقل أغلبها من الأرفف إلى عقل صاحبتها، فأكسبتها خلفية عريضة ومنحتها القدرة على خوض أي موضوع بدراية، وغيرت زيارتي لمنزل هاجر في ذهني صورة الراقصة التي عمقتها في خيالنا أفلامنا العربية القديمة التي تظهر الراقصة. إما سارقة أزواج أو خرابة بيوت أو شريكة لزعيم العصابة”. وقال الشناوي “إنه بالإضافة إلى ثقافة هاجر وجدت فيها إنسان كريمة جدا إذا ما حان وقت الغداء وجدتها أمامي وفي يدها لفافة ساندوتشات قائلة: خادمتي تعد لي أكثر مما تحتمل معدتي هل تتكرم وتخفف عني بعض العبء، وبهذه الطريقة الدبلوماسية كانت تقدم لي الطعام”. وأضاف أنه في هذه الأثناء لم أكن أمتلك سيارة في حين كان لديها سيارة وسائق خاص، وكنت أقيم في هذا الوقت في شقة مفروشة في باب اللوق، بعد أن تركت منزل جدي، فكانت تصر على أن تقوم بتوصيلي، وهي في طريقها إلى منزلها في عمارة بحري في ميدان الإسماعيلية الذي تحول اسمه بعد الثورة إلى ميدان التحرير”. وتابع قائلا “وبهذه الطريقة البارعة كانت تعاملني وبها أيضا أسرتني إلى درجة الحب وفكرت كثيرا أن أتزوجها، ولكن تصوير الفيلم انتهي وفرقت بيننا أشياء كثيرة وانشغل كل منا بحياته وعمله الفني، ولم أرها لفترة طويلة وهذا الابتعاد نقلها من الخانة الأولى التي كانت مرشحة لها أصلا إلى الخانة الثانية، فبدلا من أن تكون هاجر حمدي زوجتي الأولى أصبحت مع الأيام زوجتي الثانية بعد أن تعرفت على الفنانة عفاف شاكر في بيت الفن عقب انتهاء تصوير فيلم حمامة السلام مباشرة وزواجي منها”.
ولم يستمر زواج كمال الشناوي من عفاف شاكر سوى عام ونصف العام، حيث كان الاثنان يعيشان في مشاجرات دائمة انتهت بالطلاق وبعدها بفترة التقى بهاجر حمدي مرة أخرى وبعد عدة لقاءات عرض عليها الزواج فوافقت على الفور، ولكن قبل أن يذهب الاثنان إلى المأذون اشترط عليها كمال الشناوي شرطا واحدا وهو أن تعتزل الرقص، فوافقت بلا تردد وكانت زيجة ناجحة كان من الممكن أن تستمر لولا غيرة هاجر حمدي، حيث كان كمال في قمة نجاحه ويقضى معظم وقته في التصوير أما هي، فقد نساها المنتجون، وكانت تجلس في المنزل باستمرار ولم يمنع هذه الغيرة إنجاب ابنهما محمد ليتم الطلاق بينهما بعد ذلك.
أما الزيجة الثالثة، فكانت من الفنانة ناهد شريف، حيث تعرف عليها في فيلم زوجة ليوم واحد الذي أنتجه العام 1963، واستطاعت أن تجذبه بخفة دمها، فتزوجها العام 1968 واستمر الزواج 4 سنوات فقط، حيث طلقها العام 1972 بناء على رغبتها، حيث طلبت منه الانفصال بهدوء على أن يظل الاثنان أصدقاء فاستجاب لرغبتها. بعد ذلك تزوج الفنان كمال الشناوي من خارج الوسط الفني وعاش حياة مستقرة. وقد التقى الفنان الراحل كمال الشناوي بالرئيس السابق حسني مبارك مرة واحدة فقط أثناء تصوير فيلم وداع في الفجر. وقد حكى عن هذه الواقعة قائلا: “الفيلم تم انتاجه العام 1956 وشاركه في البطولة الفنانة شادية ويحيى شاهين وعبدالمنعم إبراهيم وإخراج حسن الأمام ملمحا أن تصوير المشهد تم فى مطار بلبيبس بالشرقية، وكان يستلزم للمشهد قائد طيار لقيادة الطائرة وتم ترشيح الطيار مبارك لتمثيله ولم يحدث أي حوار بيننا باستثناء ما تم في المشهد ولم أكن أتوقع يوما ما أن هذا الطيار سيأتي بعد 25 عاما ليصبح رئيسا لمصر. يشار إلى أن هذا الفيلم منع بعد ذلك من العرض على شاشات التلفزيون طوال فترة حكم الرئيس السابق حسنى مبارك لمصر.
وكان أكثر شيء آلمَ الفنان الراحل هو وفاة ابنه المهندس علاء في نهاية العام 2009، ولكنه احتسبه عند الله قائلا: “الحمد لله على كل شيء فوفاة ابني قضاء وقدر واختبار من ربنا ولا أستطيع أن اعترض على قضاء الله بالطبع الحزن لا يفارق قلبي وأدعو الله سبحانه وتعالى دائما أن يغفر له ويرحمه، فالدوام لله وحده”. كان ذلك من أحد أسباب إصابته بأمراض الشيخوخه وعندما عرض المسؤولون عليه العلاج على نفقة الدولة، قال: “مستورة والحمد لله”، وكان يقول أثناء مرضه” راض بقضاء الله، بعد أن داهمتنى أمراض الشيخوخة خصوصا القلب والضغط، حيث بلغت من العمر 88 عاما، إلا أن محنة مرضى لم تبعدني عن الالتزام بالصلاة، داعيا الله أن يحسن خاتمتى بأعمال الخير”. والشيء الغريب أنه لم يسأل عن كمال الشناوي أثناء محنة مرضه أحد من الوسط الفني سوى نادية لطفي وشادية والطريف أنه لم يغضب من ذلك، فكان يقول: “دائما الكل مشغول وكل شخص “فيه اللي مكفيه” ولم أغضب من أحد، فالزمن تغير وكنا زمانا نسأل عن بعض ونسهر مع بعض في منازلنا، أما الآن، فالوسط الفني أصابه الفتور ويفتقد إلى الود”. وكان الفنان الكبير الراحل قد أعلن قبل وفاته أنه ينتظر القناة التلفزيونية التي تقدر مذكراته الشخصية ماديا ليعرضها على القناة قبل طرحها مسلسلا تلفزيونيا، حيث كان قد اتفق مع نجله السيناريست والمخرج محمد الشناوي على كتابة المسلسل. والطريف أنه كان قد رشح أكثر من فنان لأداء دوره من بينهم هاني سلامة وأحمد عز.
وكان آخر مسلسل قدمه الفنان الراحل هو “لدواع أمنية” وشاركه البطولة الفنان ماجد المصري وكان يتم التصوير لمده 14 ساعة يوميا، وفي أحد الأيام سمع كمال الشناوي أحد العاملين يقول: “هوه لسه قادر يشتغل 14 ساعة في اليوم”، وفى اليوم نفسه وقع الفنان كمال الشناوي أثناء نزوله من فوق السلم، فأصيب بكسر في الحوض، والطريف أن الفنان الراحل كان كلما تذكر هذه الواقعة كان يضحك كثيرا.
يشار إلى أن محمد كمال الشناوي ولد في 26 ديسمبر 1922 بالمنصورة، وعاش بداية حياته في حي السيدة زينب بالقاهرة، وتخرج من كلية التربية الفنية جامعة حلوان، والتحق بمعهد الموسيقى العربية، ثم عمل مدرسا للرسم، وفي العام 1948 مثل أول أفلامه. وقام ببطولة عشرات الأعمال السينمائية والتلفزيونية، وأخرج فيلما واحدا العام 1965 هو “تنابلة السلطان”.
وفي الاحتفال بمئوية السينما العالمية العام 1996 اختار سينمائيون خمسة أفلام شارك فيها ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية، وهي “أمير الانتقام” و”اللص والكلاب” و”المستحيل” و”الرجل الذي فقد ظله” و”الكرنك”. يذكر أن رحيل الشناوي في شهر رمضان، يأتي بعد وفاة كل من المطرب حسن الأسمر، والممثلة هند رستم، والفنان طلعت زين.